أقلام الوسيط

سيكوباثيين على هامش المواطنة في زمن الردة الأخلاقية

بقلم : ذة مريم زينون

منذ أن أعلن المغرب استقلاله بعد جلاء المستعمر والمغاربة منخرطون في مسلسل السلم الاجتماعي أكثر منه سياسي لأجل المصلحة العليا للبلاد في مرحلة أولى، ثم إقرار السيادة الوطنية في مرحلة ثانية. ولأن المغاربة بجميع أطيافهم الدينية والعقائدية مؤمنين بوحدة المصير أيا كانت المخاطر والمهالك فمقاصدهم كانت ولازالت واضحة، رفض الاستهتار بحقوق الأفراد والشعوب وإحقاق ميزان القوى الاجتماعية على مبادئ ديمقراطية. لم تتنافى أبدا مطالبهم مع إخلاصهم ووفائهم لوطنهم مهما علت أصواتهم بطلب الحق وارتفعت حناجرهم احتجاجا على استبداد مخزني أو طغيان سياسي لا يتركون للفتنة مجالا ولم يكن يقصد من احتجاجاتهم أبدا الدعوة للانفصال بقدر ما كانت دعوة للنهوض بمصالح البلاد وتحقيق مجتمع الرفاهية .
إنه من المستحيل أن يأتي المغاربة الفتنة في وطن تأصلوا فيه على التضامن والتعاون بأرواحهم لإقرار السلم والمساواة والأخوة الثورية لاسترجاع السيادة الوطنية، لا يعرفون إلا الواجب اتجاه وطنهم بكل وعي قومي اتجاه حماية مقدساته وحفظ تاريخه ، ليست محاباة لسلطة مخزنية أو تملقا سياسيا ولكن لأن التاريخ السياسي للمغرب يشهد لهم أنهم رجال أحرار يتلازم لديهم القول بالفعل غير مقيدين بعقليات تقودهم نحو الفتنة ، إنهم نموذج للجهاد من أجل إسماع صوتهم ولكن ليس إلى حد التنكر لرمزية وطنهم، لأن حرق علم المغرب هو طعن في الهوية المغربية ومغاربة دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه بفضل التزامهم بتقاليد قوميتهم وأخلاقهم القومية وإلا لما صنف المغرب كثالث دولة في التاريخ تتجاوز ممارستها في الحكم أزيد من عشرة قرون . .وطبعا التاريخ يشهد أيضا بوجود خونة اجتهدوا في إفساد خطة الإصلاح الديني والسياسي للمغرب قديما وحاضرا في محاولة لإجلاء الفكرة المحورية التي هي الدعوة إلى التحديث والتقدمية من جهة والدفاع عن قضية وطنية من جهة أخرى ، هؤلاء يعكسون بكل غضاضة صورة مرضية للشخصية القهرية التي تبحث عن فكرة “الزعيم” في مواجهة ضعف الأنا المقهور بالمعنى الفرويدي.
البحث عن الزعامة الوهمية بكل وسائل الإفساد والإبطال للفكر المعاكس لعدم القدرة على ضبط فن المواجهة السوية بمقاربة ديمقراطية والنزوع إلى إقصاء الطرف النقيض، والحال أن حرق العلم المغربي له بعد باثولوجي أكبر من البعد السياسي ، بعد ينم عن أشخاص دونيين في الكاريزما الاجتماعية والتركيبة السيكولوجية فاقدين لهوية ذاتية وضوابط قيمية تسعفهم إلى نسق فكري وسلوكي متوازن، لأن القصد من جعل حرق العلم الوطني قضية هو في عمقه السيكو- سياسي عدم وجود قضية ثابتة بل هو مؤشر على أزمة هوية وفراغ في هوية الذات لأن من لا وطن له لا قضية له، والذين يعلنون انفصالهم عن وطنهم يعترفون ضمنيا لا هوية لهم ،وهذه المفارقة تفيد أن الأشخاص السيكوباثيين فاقدين لمبدأ الواقعية ومفتقرين لمنظومة القيم الأخلاقية، فهم يمثلون نمط من الشخصية القهرية التي تبحث في العمق عن إثبات وجودها بأساليب عدوانية ..
ليس خفيا على المغاربة والعالم بأسره أن النقلة النوعية التي حدثت في العالم بأسره في الأنظمة السياسية والاقتصادية تنم عن درجة عالية من الوعي بالنضال الاجتماعي أو السياسي في نصرة قضية ما ،على سبيل المثال لا الحصر، المناضل الاجتماعي تشي جيفارا الذي جعل من العدالة الاجتماعية قضية قومية ودافع عن نصرة الشعوب المستضعفة دون الدفع بهم إلى التشكيك في هوية أوطانهم لأنه استشعر الحاجة إلى استقرار السيادة الإنسانية داخل وطن تحدث بموجبه عدالة ديمقراطية وليس العكس. يتبين أن الدلالة القوية لحرق العلم المغربي – وإن كان يقال عنه قطعة قماش- من طرف سيكوباثيين خارج أرض الوطن هي إعلان عن وضع إشكالي يستدعي التساؤل حول أزمة الهوية في علاقتها بغياب الوازع الديني الذي بات يؤطر كل الممارسات السلوكية الشاذة الداعية إلى التمزق والشتات الاجتماعي مع اندثار منظومة القيم الدينية والأخلاقية في محاولة إعلان الخذلان والعقوق الوطني من طرف من يفتقدون طهارة الدين واليقين ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى