ذ.عادل بالحبيب يكتب للوسيط … عقاب حزب العدالة والتنمية رسالة قوية من الشعب المغربي.
كانت ليلة الإعلان عن نتائج الانتخابات عصيبة للغاية على حزب العدالة و التنمية ، وأكبر الخسارات المعلنة جاءت أولا من مدينة طنجة، ثم توالت أخبار الانكسارات من مدن أخرى كالدار البيضاء ومكناس، ثم جاء خبر سيء الدلالات بخسارة الأمين العام للحزب، ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني في الرباط، قبل أن يطلق وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، خلال إعلان نتائج الانتخابات، رصاصة الرحمة على آخر آمال المتعاطفين مع الحزب في مركز مشرف، ويؤكد الخسارة القاسية.
لم يكن حتى أشد المتشائمين داخل حزب العدالة والتنمية يعتقد أن الحزب الذي أحرز المركز الأول في انتخابات 2016 بعدما ربح في مجلس النواب عدد مقاعد قياسي بلغ 125، سينهزم بشكل مدوٍ خلال انتخابات 2021 ولن يربح سوى 13 مقعدا . يعدّ هذا الانحدار الأسوأ على الإطلاق في كل تاريخ انتخابات المغرب بالنسبة لحزب يترأس الحكومة.
وفي هذه النتائج، لم ينهزم الحزب ذو المرجعية الإسلامية، فقط أمام خصميه الرئيسيين، حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حلّ أولا وسيكون هو من يقود الحكومة القادمة، أو حزب الأصالة والمعاصرة الذي حل ثانيا وكان المنافس الرئيسي للإسلاميين في انتخابات 2016، بل تقهقر إلى المركز الثامن، ولم يظفر بالمقاعد اللازمة لتكوين فريق برلماني. كما أن الحزب حقق أسوأ نتيجة له على الإطلاق في الانتخابات التشريعية، إذا استثنينا انتخابات عام 1997 التي شارك فيها لأول مرة وحقق فيها تسعة مقاعد فقط، وغطى فيها عددا محدودا من الدوائر الانتخابية.
الثقة الزائدة في النفس التي تمتع بها الحزب خلال الثلاث سنوات الأخيرة، إذ أصبح يعتقد أنه جزء من الدولة وجزء من الاستقرار ولا يمكن التخلي عنه ، وأنه الحزب الذي أنقد المغرب والمؤسسة الملكية من رياح الربيع العربي سنة 2011. الأمر الذي دفعه إلى ارتكاب خطأ فادح وهو عدم الحفاظ على التواصل مع قاعدته الانتخابية والوقوف على مطالبها.
سبب الهزيمة المدوية للحزب هو أنه عند تحوّله من حزب معارض إلى حزب داخل السلطة، لم يف بوعوده مثل محاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهي المجالات التي اختير من أجلها خلال فترة الربيع العربي.
أقدم على تطبيق ليبرالية متوحشة في ولايته الأولى 2011 – 2016 ثم بشكل أفظع ما بين 2016 – 2021 لم يشهدها المغرب مع حكومات سابقة. إذ ارتفعت مديونية البلاد الى مستوى يعادل تقريبا الإنتاج القومي الخام للمغرب، أي اقتربت من مئة مليار دولار دون نتائج تذكر على حياة المواطنين. وشهد التعليم العمومي تراجعا لصالح الخصوصي وسجلت الصحة تدهورا بينما أصبح التشغيل عملة نادرة.
ويضاف الى هذا، أنه كان الحزب الوحيد في الائتلاف الحكومي الذي اتخذ على عاتقه مواجهة النقابات ثم سن قوانين تجرم الإضراب وتقتطع من أجور الموظفين، ومواجهة الحركات الحقوقية سواء في المغرب أو الخارج. الحزب سمح بمرور قوانين كارثية على المواطن ، كما قدم تنازلات غير مدروسة ورفض تفعيل مقتضيات دستورية ، كما تبنى منطقا إقصائيا داخل الحزب.
وجاءت لاحقاً عوامل أخرى، منها تطبيع الحكومة مع إسرائيل رغم رفض الحزب لذلك، ثم الانقسام حول تقنين القنب الهندي الذي بسببه هدّد بنكيران بتقديم استقالته.
لقد عاقب المغاربة الحزب هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها ،لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في أغلب القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه.
وبهذا أصبح العدالة والتنمية بعد انتخابات 2021 رقما هامشيا جدا في المشهد السياسي المغربي، ومعه يتم إغلاق قوس القوى السياسية التي قامت بعد الربيع العربي بتوظيف الخطاب الإسلامي السياسي في برامجها وشعاراتها، البعض منها انتهى بالانقلاب مثل حالة مصر وأخرى بصناديق الاقتراع مثل العدالة والتنمية في المغرب.
عقاب حزب العدالة والتنمية رسالة قوية من الشعب المغربي الى كل من سيتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام مستقبلا محليا جهويا ووطنيا ، مفادها انه اذا لم تكن في مستوى تطلعات الشعب المغربي و لم تلتزم بالبرامج الذي قدمته ولم تتواصل مع المواطن و تقف على مطالبه و تجد الحلول المناسبة لمشاكله ، فسيكون مصيرك مثل مصير حزب العدالة والتنمية.