أقلام الوسيط

هل يعتبر خيار الاتحاديين للمشاركة في التعديل الحكومي بمقعد واحد آخر مسمار في نعش حزبهم ؟؟

بقلم ذة : مريم زينون
مرة أخرى، قبل عودة المياه لمجاريها داخل البيت الاتحادي يخلف كاتبه العام الموعد مع السلم السياسي في لحظة حاسمة ضد انسحاب الاتحاد الاشتراكي من الحكومة والقبول بمقعد واحد ومحرج سياسيا . جرأة استثنائية تؤشر على أن الوضع الداخلي للبيت الاتحادي لازال في حاجة ملحة لإعادة ترميمه وتجميع قياداته وشبيبته بعد التمزق السياسي الذي عرفه هذا الحزب مع تعرض هياكله الداخلية للتشرذم والاحتجاجات المنطلقة من هنا وهناك .. لكن التساؤل الذي يظل قائما ولو مع محاولات الترميم السياسي هو: هل سيعود الاتحاد الاشتراكي مجددا إلى فرض نفسه في مقدمة الأجندات السياسية للبلاد كما كان في سائر عهده بعد نهاية الخلاف الظرفي مع كاتبه العام ؟ أم سيظل التمزق حليفه بعد لعنة التناوب الفاشل ؟..
لعل الخصوصية المغربية في التعددية الثقافية تفرض تعددية فكرية في الإيديولوجيات والتمفصلات السياسية و لكن المسار المنطقي الذي تفرضه المنهجية الديمقراطية بعد استقلال المغرب رغم عقيدته المحافظة، استوجب توازنا سياسيا خصوصا في الفترة الفاصلة بين جلاء المستعمر وإقرار الاستقلالية الذاتية متمثلا- أي المسار المنطقي – في تصدر حزبين سياسيين هما حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد أول حكومة في تاريخ المغرب في شخص عبد الله ابراهيم انسجاما مع التحول الاستراتيجي للبلاد آنذاك ، وفق معايير ديمقراطية عصرية خصوصا مع وجود خصم بالغ الأهمية في ساحة المواجهة السياسية مثل حزب الاستقلال نظرا للازدواجية التي تطبع النظام السياسي القائم على الوسطية والاعتدالية في البلاد ، لذا كان طبيعيا أن يتصدر هذين الحزبين المشهد السياسي بالمغرب ( أهل المحافظة الدينية وأهل العدالة الاجتماعية ) . ولأن الاتحاديين كانت لهم شعبية في مساندة الطبقة الكادحة ومناهضة الظلم الاجتماعي اتسعت رقعة حظهم النضالي مع رعيل من القياديين أثبتوا مصداقية مبادئ الحزب بمصداقية أمانتهم السياسية ،مما جعلهم جديرين بشرف انتساب ما وصل إليه الحزب في فترة من تاريخه لعطاءاتهم ومواقفهم المطبوعة بنكران الذات والمثل العالية ،إلى أن جاءت الفترة التي خاض فيها الحزب تجربة التناوب التي واجه فيها معارضة قوية حول مسألة تحقيق الانتقال من التناوب التوافقي إلى التناوب الديمقراطي ليبدأ بذلك التراجع السياسي للحزب بسبب المشاكل الداخلية خصوصا إبان الانتخابات الجماعية لسنة 2003 ليكون تراجع سهم الاتحاديين بعدها منطقيا في الساحة السياسية نظرا لإرث التراكمات المستمرة منذ 2003 داخل البيت الاتحادي ، والتي لم تكن بعيدة أيضا عن صراعات سياسية قوية تدافعت فيها كل من أحزاب الكتلة والمعارضة إبان تجربة التناوب مساهمة بدورها في إضعافه داخليا وإفشال منهاجيته الإصلاحية، الشيء الذي لم يجنب الحزب خطر الانفجار الداخلي الذي تعرض له بعد مغادرة عبد الرحمان اليوسفي وخصوصا في فترة قيادته الحالية والتي لم توفق في لم هياكلها الداخلية بقدر ما ساهمت في تشتيتها بسبب فلسفة الاختزال التي لا توافق المسار الديمقراطي للحزب مما نزع عن الاتحاديين القدرة على فرض ظلال شرعية حزبهم نتيجة الإحراج الناتج عن عدم انسجام القرارات القيادية مع مبادئ حزبهم رغم المواقف الرافضة لهم ، ليأتي علاوة على ذلك مستجد مخاطرة دخول التعديل الحكومي بمقعد ذو حساسية سياسية آخر مسمار في نعش حزب الاتحاد الاشتراكي لأنه لم يحترم بكل بساطة الإرادة السياسية لقيادات الحزب التي تؤول قرارات الكاتب العام – لسوء حظه -مضعفة لموقع الحزب في ميزان القوى السياسية في الحكومات الموالية بعد انتخابات 2021 ..
وبغض النظر عن المواقف الاختزالية لقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي سواء كانت مسؤولة عنها أو طرفا فيها فإن قرار المشاركة في التعديل الحكومي في آخر أطواره التشريعية و إن كان معرض التأويل السياسي قد يكون مبرر طرحه بدافع تفادي القطيعة مع الدولة في استمرار المشاركة في تحقيق استراتيجية الإصلاح الحكومي، كما سبق وحدث مع حكومة ادريس جطو حين غير محمد اليازغي موقفه في المشاركة دفاعا عن مصلحة البلاد وتفادي القطيعة مع الملك الذي كان في بداية عهده بالملكية ..وعليه يبدو أن ترميم البيت الاتحادي في حاجة إلى نقلة نوعية من أجل إعادة ترسيخ مبادئه ليس في تغيير القيادة فحسب ، بل في تغيير الوجهة لأن الصراع سيظل قائما أمام خيار تجنب المواجهة مع مؤسسات الدولة العميقة ما دام المغاربة يوحدون إرادتهم على تشبتهم بوجود ملكية قوية وديمقراطية و أمام تجديد ثقة الجماهير الشعبية في هياكل الحزب ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى