أقلام الوسيط

التطرف وأزمة الفكر الفلسفي

بقلم ذة. مريم زينون
بالتأكيد لا يوجد شيء اسمه ثورة دينية فالثورة الوحيدة التي اعتبرت في مرجعتيها الدينية قد أحدثت عصفا بشريا هي الثورة المحمدية المرتبطة بظهور الاٍسلام في بعدها الاٍصلاحي الكوني والتوحيدي مع الرسول (ص) في زمن الوحي والتنزيل الاٍلاهي التدرجي ، وعليه لزم الٍاعتراف ضمنيا على أن نشر الوعي الديني في عمقه الاٍسلامي لابد من ارتباطه بمقومات الدعوة والتبليغ التي اقترن بها ( الوحي والرسالة ) وبمعنى آخر فمهمة نشر الدين وتأويله ليست مهمة البشر العاميين بقدر ما هي مهمة الأنبياء فقد كانت تحمل دلالات عميقة في نشر الوعي الديني داخل المنظومة الدعوية على امتداد تاريخ الإسلام مما جعله ينتقل من مهمته التنويرية لنشر الاٍسلام اٍلى المهمة الدوغمائية في تأويله وهذا ما يفسر جدلية الاٍنتقال المركب من منظومة الدعوة الدينية اٍلى منظومة الثورة الدينية أو بالأحرى انتهاء شرعية الدعوة في الخطاب الديني ، الشيء الذي سيحول دون استمرار الحركة الاٍسلامية داخل مرجعيتها الدعوية التيسيرية ويحولها اٍلى ثورة دينية تطرفية تنزع اٍلى ترسيخ السلطة السياسية بمرجعية دينية علما أن الظرفية الزمنية الحداثية ساهمت هي أيضا بدورها في خلق الصراع بين الدين والسياسة و التمهيد لولادة التطرف الذي جاء يحمل في ثناياه فكرة الجهاد في سبيل التغيير الاجتماعي وذلك في ظل ما يشهده العالم الاٍسلامي مؤخرا بسبب التراجع الديني الذي يعزى القسم الأوفر من المسؤولية فيه للاٍنغلاق التعليمي الذي شجع على تغلغل نوع من الفكر الاٍختزالي للمعرفة بالتركيز على تكوين المواطن بهوية مركبة وأغفل تكوين الاٍنسان المفكر ليفسح المجال للمنظومة المعلوماتية لتتدخل في الاٍسهام في تكوين هذا الاٍنسان بما يختزل فيها من معلومات ومعارف جاهزة ذات أبعاد متعددة تهدد بالسقوط في المحظور كالإرهاب أو التطرف في ٍاطار تأسيس علاقة استيلاب وهيمنة وجدانية عن طريق الشحن المعلوماتي دون تأطير منهجي ، فبالتالي تكون النتيجة أن كل معرفة خارج اٍطارها النظامي تعتبر معرفة ناقصة ضمنيا قد تحيل في عمقها على علاقة غير سوية بين السالب والمسلوب (مرسل ومتلقي ) وهنا أيضا قد نستحضر السلطة الرمزية التي يمارسها السياسيون الاٍسلاميون على النفوس والعقول بواسطة توظيف سلطة الأفكار والمعارف أو المناصب والألقاب بحيث ينصبون أنفسهم كأصحاب رسالة من خلال قدراتهم الكلامية والخطابية تحت غطاء القداسة بدعوى الدفاع عن القيم العليا ومصلحة الأمة والبحث عن المنفعة للآخرين كأنهم أنبياء منتظرون مع العلم أن الرسول (ص) نبه في حديث يذكر ( اٍن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) وفي حديث آخر ( أمر دينها ) ومع ذلك فالبعث يكون من أمر اٍلاهي مقرونا بالوحي كما آتينا على ذلك سلفا وليس بفعل خيار سياسي واٍلا لن يكون هذا الاٍعتقاد سوى وهم من أوهام العقل البشري ، وثمة أمثلة محسوسة من واقع الكثير من الشباب الذي أسهم في نشر مفهوم الثورة سواء أكانت تطرفا دينيا أو سياسيا بعد خضوعه للفاعلية السلبية مع التحول التكنولوجي في غياب بناء العقل المستبصر الذي تحدث عنه القرآن والذي أصبح جوهريا ( أي العقل) يتراجع عن دوره لتنوب عنه الحواسيب وتتضخم فاعلية الوجدان بفعل ضعف الرابط بين المعرفة الجاهزة وملكة الاٍدراك الحسي للعقل . ولعله لا ينبغي النفي أن السلطة القيمية للتعليم قد اهتزت لأنه أصبح يهتم ببناء مضامين على أهداف الدولة وتطوير اقتصادها في غياب بناء الاٍنسان السليم واٍمكانية اٍصلاحه والتي قد تسجل كإحدى الأخطاء الاستراتيجية في اٍصلاح المنظومة التعليمية ببلدنا بعدم تطوير مناهج الفكر الفلسفي واٍرساءه كدعامة في بناء العقل البشري للمواطن المغربي قبل التفكير في بناءه كدعامة للاٍستثمار الاٍقتصادي . .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى