أقلام الوسيط

الحركة الأمازيغية في مفترق الطرق:بقلم -الحسين بويعقوبي-

 

يحتاج المرء من حين لآخر أن يخرج نفسه نسبيا من موضوع هو جزء منه بحثا عن المسافة الضرورية التي تسمح له بجعله موضوعا للتفكير والتساؤل. لا أدعي أن الأمر سهل، لكنه ضروري لإنتاج مفاهيم وخطاب جديدين, أي تصور جديد يستجيب للتحولات التي عرفها الموضوع وللإكراهات الجديدة المطروحة في الساحة. ذلك ما تحتاجه الحركة الأمازيغية اليوم، مع الوعي التام بالصعوبة الكبيرة التي تعتري المقصود بهذه التسمية، خاصة بعد توسع المهتمين بالموضوع أفقيا وعموديا. فالمتتبع للأدبيات المكتوبة عن هذه الحركة يكتشف تعدد التعاريف المقدمة، كل حسب وجهة نظره، ويكاد لا يتفق إثنان على تعريف واحد. وهو ما يفسر غياب وجود وثائق رسمية موقعة باسم “الحركة الأمازيغية”، بما في ذلك ميثاق أكادير (1991) أو البيان الأمازيغي (2000) وباقي الوثائق التي تبعته، حيث نجد إما توقيعات الجمعيات أو توقيعات الأفراد.
فمن يستطيع التحرر من حصار “الجماعة”، وضغط “المألوف” والخوف من “خصوم” مفترضين، و”التوجس” من كل خطوة خارجة عن الإطار المعهود، والبعد عن نظرية المؤامرة في تحليل الأحداث والإعتقاد بامتلاك الحقيقة والخوف من تحول الموضوع من “ملك” خاص إلى شأن “عام”؟ هذا التحرر ضروري لإنتاج منظور جديد حول الأمازيغية ما بعد الإعتراف الدستوري بها.
فكما كان متوقعا، وبعد طول انتظار دام 8 سنوات، يسير البرلمان بغرفتيه في اتجاه تبني مشروع القانونين التنظيميبن المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، على علاتهما، ودون الأخذ بعين الإعتبار مقترحات الحركة الجمعوية الأمازيغية. ففي إطار مخطط معين واستراتيجية مبنية على قراءة معينة للوضع اتفق الجميع وبشبه اجماع على المصادقة على المشاريع المقترحة على البرلمان (الأمازيغية والمجلس والتربية والتكوين)، رغم ردة الفعل التي أثيرت حول هذه القوانين.
بالنسبة للحركة الأمازيغية، فالإعتراف بالأمازيغية لغة رسمية للدولة هو انتقال من مرحلة لأخرى : من مرحلة عدم الإعتراف إلى مرحلة الإعتراف، من مرحلة كانت فيها الأمازيغية في الهامش إلى مرحلة بدأت تدخل للمركز، من مرحلة لغة شفوية محدودة الإنتشار إلى لغة الكتابة ستدخل جميع المؤسسات…. باختصار : إنها مرحلة المأسسة. فهل يمكن للحركة الأمازيغية دخول هذه المرحلة بنفس خطاب وآليات عمل ما قبل المأسسة؟
لقد ظهرت أجيال جديدة في التركيبة البشرية للمهتمين بالأمازيغية ومن سماتها أنها لم تعش الإقصاء التام لهذه اللغة كما عاشته الأجيال السابقة، بل كبرت في سياق الإعتراف وانفجار الثورة التكنولوجية خاصة مع مواقع التواصل الإجتماعي. فكل خطاب يجر هذا الجيل للوراء بحثا عن مظلومية مفقودة يعمق الهوة بين الخطاب والواقع. ولذلك تحتاج مكونات الحركة الأمازيغية في الوقت الحالي لنقاش داخلي يروم تشخيصا دقيقا للوضع الذاخلي لكل إطار، دون جلد للذات أو تضخيم لها، في أفق إنتاج خطاب وممارسة تنسجمان وسياق ما بعد الإعتراف. وإذا كان تغيير مضامين القوانين التنظيمية في الوقت الحالي من باب المستحيلات فالرهان سيكون حول الإستثمار الأمثل لما جاء فيها على علاتها وتوسيع امكانية الإستفاذة من النصوص الموجودة من خلال التأويلات الإيجابية التي لا يمكن أن تخرج عن السعي لتفعيل الوضع الجديد للأمازيغية “لغة رسمية للدولة”. وفي هذا الإتجاه، يسمح السياق للفعاليات الجمعوية الأمازيغية بتطوير آليات عملها والخروج من المنطق التقليدي في العمل وذلك عن طريق وضع مشاريع كبرى لتطوير اللغة الأمازيغية والتعريف بثقافتها، من خلال الشراكات مع المؤسسات سواء العامة أو الخاصة.
إن دخول أطراف عديدة في تدبير ملف الأمازيغية (الدولة، الأحزاب السياسية، جمعيات جديدة،…) سيجعل “الحركة الأمازيغية” في مفترق الطرق : إما تغيير الخطاب وتجديد آليات العمل وفق ما تفرضه التحولات وما يسمح به السياق الحالي، أو البقاء حبيسي الماضي واجترار خطاب قد يكون صالحا في زمن ما، لكن لا يمكن أن يكون صالحا للأبد. وللحركة الأمازيغية من الطاقات والإمكانات المعرفية ما يسمح لها بتجديد خطابها وآليات عملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى