أقلام الوسيط

المشروع التنموي الجديد بالمغرب والمسألة الثقافة

الكبير الداديسي

 ظلت العيون متطلعة، والأعناق مشرئبة تنظر معالم المشروع التنموي الجديد بعد سلسلة مشاورات مراطونية مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين الأفراد منهم والمؤسسات. وأخيرا نشر تقرير عام عن هذا النموذج تحت عنوان يبدو أنه يلخص كل شيء (النموذج التنموي الجديد تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع) في 152 صفحة.

وبما أن كل مشروع يرتكز في الغالب على أربعة جوانب أساسية هي الاقتصادي، السياسي الاجتماعي، والثقافي، ونظرا لصعوبة الوقوف عند تفاصيل كل هذه الجوانب في هذا المشروع سنقتصر في إطلالة سريعة على الجانب الثقافي في المشروع …

مقاربة معجمية أولية تبين أن كلمة ثقافي وثقافة كانت أقل حضورا من كلمات  المجالات الأخرى فقد حضر في المشروع لفظ “اقتصاد/اقتصادي” 320 مرة، وكلمة الاجتماعي 260، وكلمة سياسة/ سياسي 168 مرة، فيما لم يتردد لفظ ثقافة/ثقافي إلا 55 مرة مع غياب لفظ “مثقف”  نهائيا في المشروع، كما يغيب مصطلح  الثقافة في الديباجة وفي الفهرسة،  ويبدو غريبا غيابه عن عناوين المحاور الاستراتيجية للتحول الأربعة وهي

  1. المحور الأول: اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق قيمة مضافة ومناصب شغل ذات جودة
  2. المحور الثاني: رأسمال بشري معزز وأكثر استعدادا للمستقبل
  3. المحور الثالث: فرص لإدماج الجميع وتوطيد الرابط الاجتماع
  4. المحور الرابع: مجالات ترابية قادرة على التكيف : فضاءات لترسيخ أسس التنمية

وعن عناوين رافعات التغيير وهي

 I . الأوراش التحولية لإطلاق النموذج التنموي الجديد ..

1. الرقميات.

  1. – الجهاز الإداري.
  2. – تمويل النموذج التنموي الجديد.
  3. – مغاربة العالم
  4. – الشراكات الدولية للمغرب.

II  . الميثاق الوطني من أجل التنمية

ولم تحظر كلمة ثقافة إلا في الصفحة 21 وحتى في محور التشخيص وضمن الإطار رقم 3 أشار التقرير إلى الدينامية الإصلاحية ومدى مساهمتها (في إذكاء عملية التنمية بالمملكة خلال عقد 2000 إذ (تم التركيز على الصعيد  السياسي ، الاقتصادي، الاجتماعي ، التنمية المستدامة، تنمية المجالات الترابية، المستوى المجتمعي ) وتم تغييب الاهتمام بالجانب الثقافي، وإذا كان المثقفون المغاربة يجمعون على أن أزمة المغرب “أزمة ثقافية بالأساس” فإن المشروع  حدد ملامح الأزمة المغربية في التمهيد وقال (لقد أبان المغرب عن فهم عميق للأزمة الحالية، باعتبارها ليست مجرد أزمة عابرة، بل لكونها تؤشر على تحولات هيكلية عميقة لها انعكاسات على كافة المستويات الترابية ومجالات السيادة الوطنية على المستوى الاقتصادي، الغذائي، الطاقي أو الرقمي.) مغيبا الجانب الثقافي،  كما أن المعاهد الثقافية المستشهد بها يبدو تأثيرها الثقافي على أرض الواقع طفيفا ك (معهد ” Connect Institute ” هو مثال لموقع آخر للثقافة) ص 110 ومركز ماهر  (يمتـد مسـار التكويـن علـى مـدى عشـرة أشـهر ويركـز علـى الثقافـة والتواصـل والبحـث وتنميـة التفكيـر النقـدي مـن أجـل إطلاق عمليـة التغييـر وقيادتهـا. ويجمـع التكويـن بيــن الجوانــب النظريــة والعمــل الميدانــي وتدبيــر المشــاريع المبتكــرة)

هذه المؤشرات وغيرها تسمح بالأسئلة التالية ألا توحي هذه المؤشرات الأولى بتهميش الجانب الثقافي في المشروع التنموي؟ ألا يقلل المشروع من الثقافة عندما لا يخصها ببند في المحاور الاستراتيجة؟ ولا يراها رافعة للتغيير؟

لا خلاف حول كون المشروع نجح في تشخيص وتشريح الواقع، ووضع الأصبع على مكامن الداء وكان ذلك جزءا من المهمة الموكولة للجنة المشرفة على إعداد هذا المشروع ( وتتمثــل المهمــة الموكولــة إلــى اللجنــة، ذات الطابــع الاستشــاري، فــي تشــخيص الوضعيــة الراهنــة للتنميــة بالمملكـة، بصراحـة وموضوعيـة،) لكن أمل المغاربة ظل معقوداً على الجزء الآخر من مهام اللجنة وهو ( رسـم معالـم نمـوذج تنمـوي جديـد قصـد الدفـع ببالدنـا “للتوجـه بـكل ثقـة نحـو المسـتقبل) لأن تشخيص الواقع لن يجدي شيئا، ما لم يتم تقديم حلول واقتراحات لتجاوز معيقات التنمية، خاصة وأن المغاربة مقتنعون بأن بلدهم تمتلك من المؤهلات ما يجعلها في وضع أحسن ورد في التقرير (وبالنظــر للمؤهــلات التـي يمتلكهـا سـواء مـن حيـث تاريخـه ونسـائه ورجالـه وشـبابه وثرواتـه الطبيعيـة ورصيـده الثقافـي الغنـي والمتنـوع وكـذا موقعـه الجيوسـتراتيجي فـي ملتقـى القـارات، تسـود القناعـة لـدى جميـع الفاعليـن بـأن المغرب لـه مـن الطاقـات مـا يؤهلـه ليكـون بلـدا أكثـر نمـاء.)

قبل إصدار المشروع كان المثقفون يلخصون أزمة المغرب في أزمة ثقافة أولا، لقناعتهم أن الثقافة قادرة على التأثير في الاقتصاد وفي المجتمع والسياسة والعكس غير صحيح، وأن الثقافة وحدها قادرة على تخليق الحياة العامة، والتخفيف من أزمة القيم… وفي التقرير إشارات تؤكد بعض ذلك، ما دامت بعض الجمل تحدد الأزمة في:

  • (ظل ثقافة سائدة لا تعترف بالحق في الخطأ.) ص21.
  • (سـيادة ثقافـة الامتثـال داخـل الإدارة، بـدل ثقافـة الريـادة وحسـن الأداء، تولـد الإحبـاط ولا تشـجع علـى المبـادرة ص31 ناهيك عن (ضعف ثقافة تقييم السياسات العمومية) ص 32
  • (الاهتمـام الكبيـر الـذي ينبغـي إيـلاؤه للثقافـة ولتثميـن المؤهـلات الترابيـة وإصلاح شـبكات الأمـان الاجتماعـي ) ص27.
  • قيام القطاع الخاص على (ثقافة تدبيرية لا تشجع إلا قليلا على المجازفة ومناخ للأعمال قليل الملاءمة ص 73

لقد لخص التقرير انتظارات المواطنين في أربعة مجالات هي (التعليم والصحة والنقل وفرص لتنمية القدرات الشخصية خاصة بواسطة الثقافة والرياضة) ص 35، وهي انتظارات لا يمكن تحقيقها مع أغفال الاهتمام بالجانب الثقافي، خاصة وأن مطالب الشباب المستجوب كانت واضحة وترى أن لا ديموقراطية ولا بناء المجتمع ولا عيش مشترك دون الاهتمام بالجانب الثقافي ورد في تشخيص الواقع (في مجال الثقافة، تطالب الفئات الشابة، بشكل خاص، بتثمين ومضاعفة الفضاءات المخصصة للتعبير الثقافي والفني والبنيات التحتية والأنشطة الرياضية. وتعتبر الثقافة المتاحة للجميع ليس فحسب مصدرا لتنمية قدرات الفرد، بل أيضا شرطا ضروريا لبناء مجتمع ديمقراطي وعيش مشترك متناغم يتناسب مع ثراء المغرب وتنوعه الثقافي. كما أكد المقاولون في المجال الثقافي الذين تم الإنصات إليهم على أن الثقافة يمكن أن تصبح قطاعا مهما لخلق فرص الشغل والثروة. ص36 كما بين التقرير أنه (يجب أن يغطي هذا البرنامج مجموع المطالب التي عبر عنها الشباب، من ثقافة وفنون ورياضة وترفيه وإدماج سوسيواقتصادي ومشاركة مواطنة ومساندة اجتماعية. 109….

إن التقرير إذن كان واعيا بأهمية الجانب الثقافي لكنه اكتفي ضمن الاختيار الاستراتيجي الثالث :بالإشارة إلى (النهوض بالتنوع الثقافي كرافعة للانفتاح، للحوار وللتماسك إن الثقافة مدعوة إلى أن تغدو رهانا عالميا بالغ الأهمية في مجال الصعود الاقتصادي والسيادة، وذلك بحكم الحاجة المتجددة والكونية إلى المعنى وإلى التماسك الاجتماعي، وبحكم التحديات العالمية التي تجعل من الضروري تثمين العناصر الناعمة والمحتوى والجودة. 110 ، كما كان واعيا بالتنوع الثقافي في المغرب كمصدر قوة (ويعتبر المغرب بلدا غنيا بتنوعه الثقافي وعمقه التاريخي وتراثه المادي واللامادي. وفي هذا السياق، يجب أن تصبح الثقافة بالمغرب رافعة متعددة الأبعاد للرخاء الاقتصادي وللرابط الاجتماعي المتماسك وللقوة الناعمة في المجال الجيوسياسي: إنه رهان للوحدة الوطنية في علاقة مع الطلب على المعنى وعلى المعالم التاريخية والهوياتية؛ كما تشكل الثقافة أيضا موردا للنمو والاستثمار والتشغيل أكثر قربا من المجالات الترابية والحاجيات المحلية؛ ويمثل العمق التاريخي للمغرب ميزة يتعين استغلالها كرافعة للاستقرار على المستوى الاقليمي والإشعاع الثقافي والتعايش. 110

لكن التقرير وإن أجاد في أجاد في وصف ما هو كائن، ورصد بعض ما ينبغي أن يكون فقد ظلت المخرجات أقرب إلى شعارات ومطالب ثقافية دون أن يحدد سبل الأجرأة ولا الميزانيات المرصودة، ولا دور المثقف… فكان من تلك التوصيات على سبيل التمثيل:

  • ويتطلب انسجام العمل بين الوزارات تغيير الثقافة السياسية الحالية60.
  • تنبثق من المحاور الأربع للتحول المشار إليها أعاه، مجموعة من الأولويات الاستراتيجية، من بينها أولويات جديدة تشكل قطيعة مع الوضع الراهن، من قبيل المكانة المركزية للثقافة. ص69
  • أهمية الثقافة في إضفاء شفافية أكبر على الفعل العمومي. ص50
  • (الاعتـراف بالتنـوع الثقافـي ومأسسـته) وتكريـس اللغـة والثقافـة الأمازيغيتيـن(. ص 23
  • ومن الضروري أيضا تعزيز تثمين التراث الثقافي والموسيقي والتاريخي والطبيعي في جميع المجالات الترابية. ويستدعي تطوير مثل هذا العرض، ضمن مقاربة منظوماتية، التنسيق الوثيق بين الجهات الفاعلة في قطاع السياحة والقطاعات المرتبطة بها، مثل الصناعة التقليدية والثقافة، سواء على صعيد السياسات العمومية الوطنية أو على الصعيد المحلي.) ص76
  • تثمين الرأسمال اللامادي وتشجيع البحث والابتكار في كل القطاعات، سواء في ميدان الاقتصاد أو في ميدان التعليم العالي والبحث العلمي أو في مجال الثقافة. ص70
  • ويستدعي تطوير مثل هذا العرض، ضمن مقاربة منظوماتية، التنسيق الوثيق بين الجهات الفاعلة في قطاع السياحة والقطاعات المرتبطة بها، مثل الصناعة التقليدية والثقافة، ص76
  • يجب كذلك هيكلة هذا الحقل الثقافي حول مقترح مركزي قوي يجعل من الثقافة مرفقا عاما مهما، بنفس أهمية الصحة والتعليم. 110
  • فإن وسائل الإعلام العمومية، على الخصوص، مطالبة بأن تضطلع بمهمة رئيسية تُجاه المواطنين المغاربة تتجلى في الإعلام، وتنشيط النقاش العمومي، تعزيز الرابط الاجتماعي والنهوض بالتاريخ والثقافة الوطنيين. 110
  • إدماج قوي للثقافة في المنظومة التربوية.
  • إنشاء وتنشيط فضاءات ثقافية في مختلف المناطق.
  • دعم دور الاعلام باعتباره أداة للإخبار والنقاش العام ومواكبة مسار تحوله الرقمي
  • تشجيع تطوير مبادرات ثقافية مبدعة (إبداع مادة ثقافية وإعلامية، تنشيط الفضاءات، الصناعات الثقافية، إلخ.( من خال احترافية المسالك الثقافية،
  • دعم وتنشيط إنتاج ثقافي وإعلامي مبتكر يتسم بالجودة ويساهم في إغناء الحوار والتحسيس والإشعاع الدولي للمغرب. وتقترح اللجنة في هذا الصدد وضع علامة ميزة لفائدة الفاعلين والمبادرات الثقافية والإعلامية ودعم الانخراط الواسع للفعاليات في هذا المجال،
  • إنشاء وتنشيط فضاءات ثقافية في مختلف المناطق. يجب إعادة تثمين هذه الفضاءات وتنشيطها من طرف المجتمع المدني المحلي وفق أهداف تتمثل في تثمين التراث الثقافي المحلي والتحسيس بالنقاش وتعزيزه ودعم الفاعلين الثقافيين والفنيين المحليين وتلقين مبادئ الممارسة….
  • ضمان المحافظة على الموروث الوطني والذاكرة الجماعية وتثمينهما وتعزيز إشعاع التاريخ والثقافة المغربية على المستوى الدولي الفنية أو التكوين فيها
  • التذبير المفوض يمكن لبعض المجالات ذات الأولوية ضمن النموذج التنموي الجديد أن تستفيد من مساهمة الاقتصاد الاجتماعي من خال التدبير المفوض لبعض الخدمات العمومية، خصوصا في مجال
  • الصحة والمساعدة الاجتماعية والتعليم والطفولة والثقافة والاقتصاد الدائري والإدماج المهني. ص 89

 

يستنتج إذن أن الثقافة وإن كانت حاضرة في ثنايا هذا المشروع التنموي، فإنه ظلت مشتتة ولم تحدد ضمن الاستراتيجيات الكبرى، ولم تدرج ضمن رافعات التغيير، وأن كل التوصيات ستظل مثل شعارات لا يمكن أن يتلمس المغرب إليها طريقا دون مدرسة تضطلع ب (إشعاع قيم المواطنة، عبر ترسيخ ثقافة المنفعة المشتركة وإيلاء الأولوية للصالح العام وتحفيز المشاركة الوطنية من أجل توطيد روح الانتماء والتشبث بثوابت الأمة.ص،95   خاصة وأن أزمة المغرب (ليســت مجــرد أزمــة عابــرة،) ص9.  وإلا سنجد أنفسنا نبحث عن مشروع ثقافي مستقل ….

وتبقى أسئلة كثيرة معلقة من قبيل من هي الجهة المخول لها السهر على تنزيل هذا المشروع بعد أنهاء اللجنة الخاصة لعملها؟  ألا يكون مصير هذا المشروع مثل مصير الكثير من التقارير السابقة آخرها تقرير الخمسينية (المغرب الممكن)؟

 

يتبع …..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى