أقلام الوسيط

البيئة الآمنة حق الأستاذ والمتعلم

بين حين وآخر، تطفو على السطح أحداث وحوادث تعيد الى الواجهة النقاش حول وضعية الأستاذ المغربي كفاعل تربوي، وتسلط الضوء على ظروف اشتغاله ومقدار الأهمية التي تعطاه في الإصلاحات المتعاقبة التي يعرفها قطاع التربية الوطنية المغربي.
لقد أصبحت صور أساتذة وأستاذات تكسو الدماء وجوههم جراء تعرضهم للضرب والجرح من المشاهد المألوفة لدى متصفحي الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كما تنقل وسائل الإعلام المختلفة، بشكل دوري، متابعات لقضايا تعرض رجال ونساء التعليم لاعتداءات جسدية، حتى تطبع العنف المدرسي في أذهان المتلقين وكأنه جزء من الممارسة اليومية لمهنة التدريس.
مما لا شك فيه أن أي إصلاح تربوي لا يأخذ بعين الاعتبار جعل الأستاذ/ة والمتعلم/ة على حد سواء في مركز العملية التعليمية التعلمية، إن على مستوى إعداد المناهج الدراسية أو تسطير القوانين الأساسية، لهو إصلاح محكوم بالفشل، لكونه يسقط سهوا أو عمدا أهم أركان المثلث الديداكتيكي الذي لا تقف الممارسة الصفية والموازية بدونه، اذ أن تحقق التعلم المرجو رهين بتعليم فعال ينتظر من الأستاذ/ة أن يشرف عليه انطلاقا من التخطيط وصولا الى التقويم والدعم مرورا بالتدبير بمختلف مجالاته الزمنية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن أهم المفاهيم التي يروج لها المنهاج الجديد للسنوات الأربع لتعليم الابتدائي، مفهوم البيئة الآمنة كشرط أساسي للتعلم تحقيقا لمبدإ التفويض التدريجي للمسؤولية. والمقصود بالبيئة الآمنة حسب الوثيقة الوزارية هو إنجاز مختلف خطوات التعلم في إطار من الأمن والأمان النفسي والبدني، بحيث يشعر المتعلم/ة بأنه يتعلم المهارات ويمارسها في جو من الود والدعم الايجابي من لدن الأستاذ والزملاء.
إن المتأمل لهذا النقص التوجيهي الذي لا تكمله رافعات الرؤية الاستراتيجية الخاصة بالنهوض بالموارد البشرية لقطاع التعليم عامة وهيئة التدريس خاصة، يخال أنه أمام منهاج دراسي يفرق بشكل تعسفي بين بيئة التعلم وبيئة التعليم، في الوقت الذي تشكل فيه العمليتان كلا لا يقبل التجزيء. فأنى لمدرس فاقد للأمن أن يوفره؟ وكيف له أن يخلق جوا من الطمأنينة التعلمية في فضاء يتهدده فيه العنف بشتى أنواعه ومصادره؟
إن مظاهر العنف المختلفة التي يتعرض لها الأساتذة والأستاذات والإشارات السلبية التي يلتقطها المغاربة عن رجال ونساء التعليم، ما هي إلا نتاج غياب رؤية استراتيجية حقيقية تجعل الأستاذ/ة في قلب اهتمام كل السياسات التربوية. ففي الوقت الذي ننتظر فيه تمييزا ايجابيا يتماشى وطبيعة المهمة المنوطة بهيئة التدريس، نرى نوعا آخر من العنف الرمزي تمارسه الدولة على موظفيها في التعليم، عنف يجسده غياب حلول معقولة للملفات العالقة بين الحوارات القطاعية والوزارية والبين-وزارية (الحركة، الترقية بالشهادات، خارج السلم …)، وآخر يتجلى في غياب أبسط أدوات الاشتغال (روائز التقويم، أقلام السبورات البيضاء، الطباشير، الوسائل التعليمية…)
أمام هكذا بيئة غير آمنة، لا يمكن أن ننتظر من الأستاذ/ة وهو يحمل لوحده ويلات التدريس ببلادنا أن يكون موجها وقائدا ونموذجا، بل عكس ذلك نجعل منه كائنا وهنا متعبا يركب التلاميذ ظهره ويرسمون بآلات حادة خطوطا مقعرة على وجهه، بينما يتجاذب الآباء والأمهات أطراف وزرته البيضاء.

ذ.الحسين أكناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى