الخصوصية المغربية المفترى عليها : ” مول التاج و كايحتاج” بقلم سدي علي ماءالعينين
يقف المرء مذهولا أمام هذا التقلب المزاجي للدولة في تدبير الشان العام المحلي
فبقليل من التمكن و استرجاع القرارات و تحليلها و سبر اغوارها و خلفياتها يصاب المواطن بالدوران و احيانا بالهذيان المؤدي إلى فقدان الثقة في السياسات العمومية و رجالاتها
و اذا كان من غير المقبول اطلاق الكلام على عواهنه دون تقديم المعطيات التي تبرر هذا الحكم فان الكثير من الملفات التي تم تدبيرها من طرف مسؤولي الشأن المحلي تمت بمزاجية لا تجد لها مبررا سوى التسرع الذي يحل محل السرعة و الاستبداد الذي يعوض ضعف الاستعداد و الارتجال الناجم عن تجميد الادارة و غياب الارادة
و من منا لا يتذكر احداث الدار البيضاء الاليمة التي مكنت السلطات من استخراج مشروع عبقري اسمه الاسواق النموذجية لفائدة الفراشة و الباعة المتجولين ليتم بناء أسواق من ملك الدولة في الليل و تمكين المستفيدين من قرعة جرت بالليل … و النتيجة نقط سوداء… بنايات آيلة للسقوط ومعاناة المستفيدين التي لا تنتهي و فشل سريع لمشروع متسرع في الانجاز تحت دريعة محاربة الارهاب و مرة اخرى خلفت الدولة موعدها مع برنامج وضعته مثاليا و انهته كارثيا
ان هذا الوضع يستحق منا وصفا بسيطا هو اننا نحارب كل ما نعتبره عشوائي و لكن بقرارات عشوائية
اما ان نعترف ان بلادنا منخور بالاقتصاد الغير مهيكل و باقتصاد الريع
و نقول و نقر بان هذا نتاج طبيعي لسياسات متراكمة لم يجد معها المواطن البسيط بدا سوى ان يواجهها بالفوضى التي تعطيه الحق في لقمة عيش او اكثر
و في المقابل ان نفتح حوارا وطنيا حول سبل معالجة هذا الخلل و الحد منه و تقنينه و ان نستدل و نستأنس بتجارب سبقتنا و نأخذ منها ما يناسبنا و نترك ما لا يناسبنا
تم ان نسن القوانين و نضع الخطط بهدوء في صياغتها و هدوء اكبر في تطبيقها على ارض الواقع
قد يكون غريبا في هذا الوطن ان يقف المتتبع للسياسات العمومية بين من يرى جدواها في اطار الخصوصية المغربية المفترى عليها و بين ان يناهض هذه الارتجالية و الانتقائية و يتهم بمناهضة التغيير و الاصطفاف الى جانب المضاربين و تجار الازمات
ان الفكرة التي نريد ايصالها بسيطة و غير مكلفة من حيث التفكير و الفهم
الاقرار بالمشاكل مستحب لكن معاجتها بمشاكل اكبر منها هو المرفوض
القيام بإجراءات باسم الادارة مستحب لكن ان تكون بدون اجراءات ادارية هو المرفوض
لا اريد ان تكون العلاقة بين الدولة و المواطن شبيهة بالأسطورة التي تقول
أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه ؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه ؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا .
وجاء دور الشمس فتقدمت وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً…
إن الإكراه والمضايقة يوجبان المقاومة ويورثان النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا .
إن الإقناع كما هو الحوار وهو لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء ؛ وما ان يلتزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله .
وهنا تبدو المفارقة لماذا الادارة لا تستوعب تقلبات الشارع المغربي ولا تتجاوب مع تلك التقلبات بالإيجاب ان الادارة راكمت العديد من التجارب تجعلها في مستوى التحديات التي يطرحها مغرب اليوم لكن التهافت على المنظومات الحقوقية و تلميع صورة البلاد بالخارج و الحرص على تمكين المواطن المغربي من اليات الاندماج في العالم بكل تطوراته و تجاهل الانتظارات الداخلية هي ما جعلت بلادنا و من خلالها المواطن البسيط يحاول جاهدا التوفيق بين تطلعاته و بين الاكراهات التي يمليها المخزن التقليدي
اننا امام وضع يتطلب اكثر من قراءة و اكثر من تفسير و هو ان المجتمع المغربي مجتمع يساير بحكم التاريخ كل التقلبات الخارجية لكن الاكيد انه كما تبين الدراسات و النظريات الاجتماعية هو مجتمع يقارب متطلباته بنوع من الفوضى المنظمة، فوضى تجد تجلياتها في كل ما هو عشوائي و ملتبس…
وكخلاصة … لا يمكن لمغرب اليوم ان يعيش اسطورة الشمس و الارض في علاقته مع المواطن
لكن الاكيد ان ازالة المعطف هي اختيارات و قرارات و هي قبل كل شيء رهانات تنموية و حضارية و لا يمكن تقزيمها في سلوكات مزاجية لا تحتكم الى الحاضر و لا الى المستقبل
فهل تعتبرون؟