أقلام الوسيط

أي مستقبل للعمل الجمعوي-النقابي للقضاة؟

تشهد ساحة العدالة منذ أيام حراكا قضائيا يمكن تسميته النسخة الثانية للحراك القضائي بعد دستور 2011، مما نطرح معه سؤال أي مستقبل للعمل الجمعوي/النقابي لقضاة المغرب. وما إذا كانت بوادر دولة القضاة في الأفق.؟!.

بداية لا أحد ينكر القيمة المضافة للقضاة كجمعيات مهنية أو أفراد في الساحة الحقوقية، لا سيما (سيما) المساهمة في نشر الثقافة القانونية والعمل القضائي وكذا تنمية البحث العلمي إلى جانب باقي مكونات العدالة خاصة المحاماة. وهذه من حسنات تعدد جمعياتهم المهنية، هذا من جهة.

أما من جهة أخرى، فالمتتبع لشان العدالة ببلادنا، سيلاحظ أن التطور قد لحق الممارسة والخطاب في عمل الجمعيات المهنية (وحتى القضاة كافراد)، حيث ارتفع سقف المطالب شكلا ومضمونا. وهو ما يستشف من بلاغات الجمعيات المهنية وكذا اراء القضاة. مما يطرح سؤال ثاني حول مستقبل (مفهوم) واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، من حيث الحدود والمظاهر، الوعاء والمضمون.؟.

لقد نص دستور المملكة لسنة 2011 في العديد من فصوله على كون السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. وجلالة الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية (الفصل 107).

أيضا منع الدستور كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء. ولا يتلقى القاضي (هكذا مصطلح القاضي دون تمييز بين نيابة أو رئاسة) بشأن مهمته القضائية أي اوامر او تعليمات ولا يخضع لأي ضغط (الفصل 109). وقيد ذلك بمكنة التعليمات القانونية الكتابية لقضاة النيابة العامة من الجهة التي يتبعون إليها.

ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة، مع الإشارة إلى أنه في حالة اخلال القاضي بواجب الاستقلال والتجرد فذلك خطأ مهنيا جسيما.

لكن الملاحظ أنه في ظل عدم وضوح معاني الاستقلال والتجرد، واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، تركت ساحة العدالة في شقها المرتبط بالتعبير والعمل الجمعوي أمام تدافعات بين المتدخلين، أحيانا صدامات (مع الغير او بينية باللمز والغمز) كما نشهده اليوم بعد حادث السيد نائب وكيل الملك بطنجة. وقبله قضية السيد قاضي مراكش ثم واقعة البيانات ضد السيدة نبيلة منيب (مرتبط بتصريح اوقفوا العبث) والسيد الزروالي مرتبط باتهامات لقاضي بالدار البيضاء وكذا تصريحه الاخير ضد السيد وكيل الملك بمكناس.

وهكذا، يلاحظ:

أولا: بلقنة للعمل الجمعوي (النقابي) المهني، حيث تعدد الجمعيات المهنية مما أفرز قطبين لجسم واحد. وهذا مظهر مقبول دستوريا وحقوقيا حيث التعددية الجمعوية النقابية السياسية مبادئ للتدافع بين جميع الفاعلين بالمغرب. لكن هل ذلك يصلح للجسم القضائي الواحد.؟!.

صحيح التعددية ظاهرة صحية، لكن في الشأن القضائي شتت المجهود وخلق التباين بلغ أحيانا حد التنافر بين جناحين ظهر إلى السطح أحيانا، اختفى (ديبلوماسيا) لواجب الزمالة وحسن الجوار. الشيء الذي يوحي بكون القطبين أحدهما يفرمل الآخر تبعا لنوع القضايا. وهذا موضوع نتركه لأهل الدار.

ثانيا: نتيجة البلقنة أعلاه، أن التضامن يتم تبعا لانتماء المنخرط، حيث لكل قطب منخرطيه وبلاغاته تصدر تبعا للانتماء. وهي وإن كانت تصدر دفاعا عن هيبة القضاء والدفاع عن استقلال السلطة القضائية وفق ديباجة البيانات، إلا أنها (تتعصب احيانا) للانتماء. وكأن المس باستقلال السلطة القضائية وهيبتها (كما نقرأ في تلك البينات) يتوفر فقط كلما كان القاضي موضوع التضامن منتمي للقطب الجمعوي مصدر البيان. مما أثر سلبا على قراءة رسائل البيانات.

ثالثا: لوحظ تولي الجمعيات المهنية الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية (واستقلال القاضي) كشأن مهني، رغم وجود مجلس أعلى للسلطة القضائية كشخص معنوي يتوفر على الاستقلال الاداري والمالي، له دستوريا الصفة (اكرر الصفة) في تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يخص استقلالهم أساسا. مما افرز تداخلا في الصلاحيات بين الجمعيات المهنية(شخص معنوي خاص) وبين مؤسسة المجلس (شخص معنوي عام).

تلكم عدة ملاحظات وافكار، نطرحها كارضية للنقاش حول:

– مستقبل العمل الجمعوي المهني للقضاة.؟ وما إذا كانت المرحلة ستؤسس لنقابات مهنية بالواضح تنتزع مستقبلا اعترافات دستورية كنقابات مهنية (شكلا وموضوعا) وليس جمعيات مهنية شكلا(نقابية موضوعا).

– مستقبل سلطة القضاة، ؟ وما إذا كانت (دولة القضاة كما سماها البعض) التي ظهرت بوادرها منذ 2011 بدات تتقدم، في تدافع وتزاحم، من أجل التحكم ؟!.

بقلم الدكتور الصوصي العلوي عبد الكبير- أستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى