أقلام الوسيط

التقاضي عن بعد والمحاكمة العادلة في زمن كورونا

أثارت الإجراءات المتخذة من طرف وزارة العدل والمتعلقة بالتقاضي عن بعد باستعمال وسائل التواصل الإلكترونية في المادة الجنائية، نقاش كبير بين من يعتبر هذا الإجراء مخالف للقانون والضمانات الدستورية المتعلقة بالمحاكمة العادلة، على اعتبار أن هذا الإجراء لا يجد له سند في قانون المسطرة الجنائية، والتي تحدد الشروط والإجراءات القانونية الواجبة الاتباع لضمان حقوق المشتبه فيه المعتقل ومنها حقه في التخابر مع دفاعه ،وحقه في محاكمة علنية حضورية، تواجهية،إلى غير ذلك من القواعد الرامية إلى ضمان المحاكمة العادلة.

وبين من يعتبر هذا الإجراء فرضته الظروف الاستثنائية المرتبطة بوباء كورونا، وضرورة اتخاذ الإجراءات لتفادي خطورة انتشاره داخل المؤسسات السجنية، من خلال تنقل المعتقلين واحتكاكهم مع الأغيار الشيء الذي يهدد بانتشار الوباء وخاصة داخل المؤسسات السجنية التي تعرف اكتضاض ،وأن الإجراء يضمن للمشتبه فيه المعتقل حقه في التمسك بضرورة الحضور إلى المحكمة والاستماع اليه بشكل حضوري مع حقه في التخابر مع دفاعه الشيء الذي يوجب على المحكمة أو قاضي التحقيق تأخير الملف على الحالة في انتظار رفع حالة الطوارئ الصحية .

والحق يقال أن لكل توجه مبرراته الموضوعية والقانونية وعلى سبيل المثال فقط فإن الطرف الاول يتمسك خاصة بمقتضيات المادة 300من قانون المسطرة الجنائية والتي ذهبت إلى أنه يجب تحت طائلة البطلان أن تتم اجراءات البحث، والمناقشات في جلسة علنية ماعدا في الحالات المنصوص عليها في المادتين 301و302 من نفس القانون ، إضافة إلى حرمان المشتبه فيه من حقه في التخابر مع دفاعه ،مما يشكل خرقا لمقتضى دستوري والذي جاء فيه أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة ،وفي حكم يصدر ذاخل أجل معقول،وأن حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم، وفق ما جاء في الفصل 120من الدستور المغربي والذي جاء ليكرس المبادئ الحقوقية الدولية في هذا الإطار.

وفي الاتجاه الاخر فإن الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية والإجراءات المرتبطة بها يحكمها قانون أعطى للحكومة _والإدارة موضوعة رهن اشرتها _ بنص الدستور ،صلاحيات على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، بحيث تقوم خلال فترة إعلان حالة الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة ،وذلك بموجب مراسيم ومقرارات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض،وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم ،مع العلم ان المرسوم قانون 292_20_2 ذهب من جهة أخرى إلى أنه لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

وهذه المعطيات كلها سواء تلك المتعلقة بإجراءات المحاكمة عن بعد،أو التشبت بمبادئ المحاكمة العادلة التي تستوجب علانية الجلسات وحق المشتبه فيه في التخابر مع دفاعه، أو الإجراء المتعلق بتاخير الملف إلى حين رفع حالة الطوارئ الصحية ،تجعل الفاعل أمام خيارات مرتبطة بظروف طارئة، سوف يترتب عنها في جميع الحالات خرق شروط المحاكمة العادلة.

ومايهمني في هذا النقاش هو أنه اوضح بشكل جلي انعدام التنسيق والتشبت بمرجعية حقوقية واحدة في هذا الظرف الطارئ فيما يخص المواقف المتخذة من طرف المؤسسات المهنية للمحاماة ،

موقف كان ينبغي أن يرتكز على اعتبار مؤسسة الدفاع جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية ،لاينبغي استبعادها من أي حل متوافق عليه في ظل الظروف الطارئة التي تستوجب إشراك كل مكونات العدالة للخروج بموقف موحد ياخد بعين الاعتبار اكراهات حالة الطوارئ الصحية ،وضمان شروط المحاكمة العادلة ، والتي تعمل من أجلها كل المؤسسات المشاركة في إنتاج العدالة .

ومن جهة أخرى فإن هذه الظروف الطارئة اتبتت بالملموس تأخر وبطء كبير في مواكبة التشريع للتطور التكنولوجي وإنشاء المحاكم الرقمية وما يرتبط بها من قوانين منظمة للمساطير المتعلقة بالتقاضي عن بعد، ذلك أنه ورغم المخرجات المرتبطة بتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة والتي تعود إلى يوليوز 2013 والتي جاء في المخطط الإجرائي لتنفيذ الميثاق في الهذف الفرعي التالث الرامي إلى إرساء مقومات المحكمة الرقمية الفقرة188 تعديل المقتضيات القانونية ،لاسيما الإجرائية منها ،بما يمكن من استعمال التكنولوجيا الحديثة في تصريف القضايا أمام المحاكم ،ونزع التجسيد المادي عن الإجراءات والمساطير القضائية وتم إقتراح في الفقرة 326 من الميثاق سنوات مابين 2013و2014 لتنزيل هذا المقتضى ،وعلى الرغم من مرور 7سنوات على مقترح الميثاق فإن وضع الإجراءات القانونية لرقمنة المساطير القضائية لازال بعيد المنال والرقمنة نفسها لازالت في طور التجريب. ومقارنة مع دول لها نفس الوضعية في هذا المجال يمكن استحضار تجربة الجزائر والتي وضعت قانونا في هذا الإطار يتعلق بعصرنة العدالة هو القانون رقم 15_03 منشور بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية العدد 6بتاريخ 10 فبراير 2015 أي خمس سنوات من الان وقد جاء في المادة الأولى منه أن القانون يهذف إلى عصرنة سير قطاع العدالة من خلال وضع منظومة معلوماتية مركزية لوزارة العدل .

إرسال الوثائق والمحررات القضائية بطريقة إلكترونية،

استخدام تقنية المحادثة المرئية عن بعد في الإجراءات القضائية.

وبخصوص الشق المتعلق باستعمال المحادثة المرئية عن بعد اتناء الإجراءات القضائية فإن القانون الجزائري ذهب في المادة 14 منه إلى أنه إذا استدعى بعد المسافة أو تطلب ذلك حسن سير العدالة، يمكن استجواب وسماع الأطراف عن طريق المحادثة المرئية عن بعد ،مع مراعاة احترام الحقوق والقواعد المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية ووفقا للاحكام المنصوص عليها في هذا الفصل،

وذهب الى انه يجب أن تتضمن الوسيلة المستعملة سرية الإرسال وأمانته،و يتم تسجيل التصريحات كاملة وحرفية على محضر يوقع من طرف القاضي المكلف بالملف وأمين الضبط.

وذهبت المادة 15من نفس القانون الجزائري إلى أنه يمكن لقاضي التحقيق أن يستعمل المحادثة المرئية عن بعد في استجواب أو سماع شخص، وفي إجراء مواجهات بين عدة اشخاص يمكن لجهة الحكم أيضا أن تستعمل المحادثة المرئية عن بعد لسماع الشهود والأطراف المدنية والخبراء .

ويمكن لجهة الحكم التي تنظر في قضايا الجنح أن تلجأ إلى نفس الآلية لتلقي تصريحات متهم محبوس اذا وافق المعني والنيابة العامة على ذلك.

وذهبت المادة16 من نفس القانون إلى أنه يتم الإستجواب أو السماع أو المواجهة باستعمال آلية المحادثة المرئية عن بعد بمقر المحكمة الأقرب من مكان إقامة الشخص المطلوب تلقي تصريحاته ،بحضور وكيل الجمهورية المختص اقليميا وأمين الضبط .يتحقق وكيل الجمهورية من هوية الشخص الذي يتم سماعه ويجرى محضرا عن ذلك .

اذا كان الشخص المسموع محبوسا تتم المحادثة المرئية عن بعد من المؤسسات العقابية التي يوجد فيها المحبوس وفقا للكيفيات المحددة في الفقرة السابقة مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في المادة 14من نفس القانون.

هذه المقتضيات التي تنظم الإجراءات المسطرية للتقاضي عن بعد في الجارة الجزائر.

نتمنى أن يتم تنزيل مقتضيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة المرتبطة بتعديل المقتضيات القانونية ولاسيما الإجرائية بما يتوافق واستعمال تقنية التقاضي عن بعد مع الأخد بعين الاعتبار القواعد المنصوص عليها في المواثيق الدولية، والقواعد والمبادئ الدستورية ذات الصلة لضمان المحاكمة العادلة ،بحيث لايعقل أن يتأخر تنزيل توصيات الميثاق لاكتر من 7 سنوات .

د محمد امغار ، محامي بهيئة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى