ذ.عادل بن الحبيب يكتب للوسيط … صناعة اليأس تبدأ حين نعجز عن صناعة الأمل .
لا يوجد في القاموس السياسي مصطلح أشد فظاظة من مصطلح صناعة اليأس ، فهو كفيل بإشاعة الإحباط في المجتمع وتثبيط الهمم و إضعاف العزائم ، فإذا أردت أن تهزم أمة و تهدم حاضر و مستقبل أعرق المجتمعات إجعل اليأس سائدا بينها. صناعة اليأس تبدأ حين نخطىء في صناعة الأمل ،حينما نعجز عن الخروج من اليأس ولو بالتمسك بقشة أمل، حينما نرسم صورا مثالية للأحداث والأشخاص والمجموعات ثم نفاجأ بواقع مختلف، مختلف جدا عن الخيال الذي نسجناه. ونحن أحيانا كثيرة بمحض إرادتنا وسابق إصرارنا نصنع هذا الإحباط واليأس ثم نغرق فيه.
نساهم بوعي او بدون وعي في ميلاد خلية تحمل نواة اسمها (التذمر) تؤدي إلى إفراز عنصر (اللامبالاة) والتي بدوها ستكون هي المسؤولة عن تراكمات لعقد نفسية مستعصية أخطرها (اليأس) (الضغينة) (التعصب) ، قد تصيب مفهوم (الهوية) و(المواطنة) بانتكاسة لا تقوم لها قائمة.
نسقط الهمم ونقعد العزائم ونحسب أننا من الذين يحسنون صنعا، صار كل امرئ حاذقا في نشر صور القهر وبث مشاهد الهوان الذي نعيشه، مذيلة بتعليقات تصبغ خلفية حياتنا بالسواد. حسنا يا سيدي، نعلم حجم المأساة، فماذا بعد؟ لا شيء، سوى مزيد من التكرار، وتراكم اليأس.
هناك من يعمل على أن تسود وتتعمم مشاعر الخيبة والإحباط في بلدنا ، بعد ان ارتفع منسوب التفاؤل والأمل لدى المغاربة، والشباب بخاصة، الذين ملأوا الساحات متطلعين للعيش الكريم والحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية، كي تفقد الناس الثقة في قدرتها على إحداث التغيير، ونيل ما تصبو إليه من حقوق، حين صار المواطن المغربي مسكونا بالسؤال المحبط عما يستطيع أن يفعله وقد فقد هو نفسه الإرادة، مما يتطلب تشجيع أي جهد مهما كان للتغلب على صناعة اليأس التي عكفت عليها ماكينة متقنة طوال عقود، وعادت لتنشط من جديد لاشاعة حالة من فساد المعنويات ومن التسليم بالقائم بصفته قدرا لا مناص منه، مما يتطلب جهودا مضاعفة من أجل أن نسترد أنفسنا التي صودرت، وأن نظهر أفضل ما فينا.
منذ عدة سنوات وهناك ظاهرة لاتبدو عفوية في الإعلام وبكل وسائله المتاحة، ظاهرة لا تتحدث عما هو جميل في هذه البلاد من طبيعة وطبائع . فلا موازنة بين ذكر موتانا ومواليدنا ولابين فضحنا للفاسدين وإطرائنا على الصالحين ولا بين نشرنا لصور النفايات ونشر صور الحدائق . بلدنا جميل وفيه من الجمال ما يبهر العقول ويسر النفوس. فليس صحيحا ألا نشيع غير خراب الابنية وحفر الطرقات . قد يقول قائل ذلك لتنبيه المسؤولين وهذا صحيح عندما لا تكون خلاصة الرسالة صناعة اليأس في قلوب الشباب ، هل التفت احدنا إلى المواطن الذي أصبح يتبرم ويتأفف ويسأم ويمل من آلاف المحتويات التي تزرع وتصنع اليأس في الكبار والصغار أغنياء و فقراء على حد سواء.
كثيرون هم أولئك الذين يحسنون لعن الظلام، وإدمان الحديث عن تفاصيل الواقع المر، لكنْ قليل منهم من يصنع الأمل فيضيء في الظلام شمعة، ويبث روح التفاؤل لدى الآخرين. المفردات في زمن الانكسار انحسرت، واقتصرت على تكرار التوصيف، حتى مللنا اليأس ذاته، والتركيز على مواطن الخبث تجاوز وصف النقد الذاتي والمصارحة إلى كونه بضاعة مفلسين، فشيء من التفاؤل و الأمل .
الأمل سمته الشريعة الإسلامية بالرجاء، والرجاء في الله خير مأمول. هو عندنا عقيدة تلتف عليها حنايا القلب، كلما هممنا باليأس وهم بنا جاءنا البرهان {لا تقنطوا من رحمة الله} فكان كغيث بدر يذهب عنا وساوس الشيطان وتثبت به الأقدام.
الأمل بنيناه على سنن ربانية تقضي بأنْ يعقب العسر يسر، فكل يوم هو في شأن، والأيام دُول، وبين عشية وضحاها تقوم حضارات وتندثر أخرى.
الأمل بنيناه على سجلات التاريخ، والتاريخ علمنا أننا أمة تمرض ولا تموت، وما نراه اليوم قارعة الدهر لا يضاهي في شدته المحن والأزمات التي ألمت بنا على مر القرون، وفي كل مرة تخرج الأمة منها أشد قوة، فالضربة التي لا تقصم الظهر تقويه.
الأمل بنيناه على مشاهدات الواقع وتجارب الدول، فكم من دولة سقطت وأحياها الأمل فانبعثت من جديد؟
فمن الخطأ أن يعيش المرء بلا أمل، صناعة الأمل مسؤولية فردية واجتماعية، تستوجب أن تكون أسلوب حياة، من دون التعلل بضغط الحياة وواقع الحال .اليأس سيقتلنا مرات ومرات والواقع كما هو، فلنجرب أن نعيش على أمل يروي حياتنا، يهيئ الأنفس للعمل، فلنترك أنوفنا تشتم رائحة الغد الأفضل، على طريقة النبي يعقوب، إذ وجد في القميص ريح يوسف، فلم ينقطع منه أمل اللقاء {عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً}.