أقلام الوسيط

متى كان الأمازيغ يحرمون “لْهَوَا”؟

ذ.الحسين أكناو

إن مفهوم “لْهَوَا” في اللغة الأمازيغية هو غير الهوى في اللغة العربية، إذ أن هذا الأخير شرب من بيئة الدين ما جعل معناه قدحيا ومحيلا على الرذيلة والفسق. “لْهوا” الأمازيغي هو نوع من عشق الموسيقى لحنا وكلمات، فيقال عن الشخص “أهْواوي” إذا كان ميالا للطرب ضابطا لإيقاعاته سماعا أو ممارسة، حتى أن “لْهوا” عند كثير من الأمازيغ تعد شرطا لتوازن الشخصية واكتمالها، وغيابها يدخل في خوارم المروءة الأمازيغية. وقد يتجاوز مفهوم “لهوا” عند الأمازيغ حب الغناء الى تذوق كل ما هو جميل بديع المنظر بهي الطلعة مما يوجد في الطبيعة أو صنعه الإنسان.
لم يرى الأمازيغ يوما في الموسيقى فعلا مشينا، ولم يفكروا أبدا في إغضاع الغناء لمقياس الحلال والحرام، لأنه جزء من ذواتهم ومعيشهم وهويتهم وثقافتهم. فأن تصور للأمازيغي عيشا بدون “أمارك” كأن تقول له عش بلا هواء، فهو يغني لأرضه لما يفلحها، وللفرح لما يحل به، وللأحزان لما تشتد عليه، بل يغني الأمازيغي بذكر الله مادحا ومتوسلا ومتمايلا، يغني تعبا ومستريحا ومنشغلا، قائما وقاعدا وعلى جنبه، وحتى في توجيه التحايا عبر الأثير، فالأمازيغي ينتشي وهو يتواصل مع إخوانه قائلا: أسلم على كل من يقول “ألَلَيْ دَلَلَيْ”، بمعنى أسلم على كل “أَهْواوي” محب للغناء.
ثم أطل علينا قوم أمازيغ يفتون بتحريم “لهوا”!
يظهر أن بعض الدعاة والفقهاء بلغ بهم الكسل مبلغ الارتكان الى أقوال حدها القرن الخامس الهجري، فبقوا هناك عقلا ونقلا، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في القرآن والحديث عما تتيسر به حياة العباد مما يجسد الواقع وتتحقق به مقاصد الشريعة، خاصة إذا علمنا أن في نصوص التراث ما يرفع الحرج عن الناس في ممارسة اجتماعية ثقافية كالغناء. اللهم أن تكون نفوس المفتين تهوى المشقة والتعسير والتنفير، مما يترجم أمراضا في النفوس راكمها الانقطاع عن مهذبات الروح.
فكيف لعقل يسارع عند ظهور كل اختراع بشري الى الاستنباط القسري في فهم الآيات على أنها إعجاز وسبق علميين، ويبذل في ذلك الجهد ويسخر القرآن وعلومه والفقه وأصوله، ولا يسْطع أن يجد مصوغا شرعيا لممارسة متجذرة في الأرض والتاريخ كالموسيقى، تميل اليها نفوس الرضع قبل الكهول؟؟
لا يتسع المجال، هنا، لندخل في سجال أوله ضعف وتصحيح ووضع، وآخره تعليق ووصل وانقطاع، ولا في لعبة لي أعناق الآيات أو إرسالها، فذاك لعمري مما دأبت عليه الأمة ولم تفلح. بل نقول لمن حن لفتاوى بن باز والعثيمين، وفتح علينا مطويات حسبنا الغبار كسا ما تحمله من تطرف، وخلنا الأيام كفتنا رائحة الإرهاب فيها، نقول لكل متكلم باسم الدين غلوا: إن الغناء عند الأمازيغ واقع لا يرتفع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى