طائر فوق العادة
بسم الله الرحمن الرحيم.
نشيط للغاية ذهابا وإيابا صاحب حجة ودلالة كان سببا في نشر الهداية لا يتخلف الا للافادة والا فالعذاب او الإبادة، قل من ينتبه اليه الا من أوتي الرسالة خص في الذكر، بالتلاوة كما سيأتي في النهاية.
يستعرض الجموع صفا صفا، شتان بين من رد الفضل لله وبين من قال ثم ايتوا صفا ويوم القيامة لا يقبل الله منه عدلا ولا صرفا.
رأى قوما مؤتلفا الى الشمس منصرفا لا ترى منهم مستنكرا ولا مختلفا، تقدمهم امرأة وقد خاب سعي من افترى، اقبل مسرعا ناطقا وللزمن مسابقا، ما رءاه
بالعيان تقشعر له الابدان ويعافه الجنان، منظر مقيت ومشهد سخيف بين يدي نبي معلم مفهم، واقفا لم يفصل بسكت واصلا لا واسط ولا ترجمان، جزء يسير مما سخر لسليمان عرف أشياء كما غابت عنه أشياء، أدركها طواف من الطيور لن يتكرر مدى الدهور، في رحلة قاده اليها القدر فيها دروس وعبر، لتسليط الضوء على ما أنكر وقد شاهد من الأنباء ما فيه مزدجر، مما يكره من القبيح والوزر الذي لا يغتفر حكاه، كامل الأوصاف وهو سبحانه يضع علمه لدى الضعاف.
وتبدأ القصة من سبأ وقد أدرك النبي النبأ، لعلهم يؤمنون فتنحل العقد، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد الأحد،
فالكفر به تعالى غير مرضي والشكر له يزيد النعم، وتجتمع السيدة بالملأ الشديد الموصوف عرشها بالعظيم، ورأيها بالاصيل، فتستفسر وتستشير فيما ألقي اليها من كتاب كريم، يعصم عن الخطل ويجنب الزلل، وهي لا تبث في أمر جلل حتى يحضره اولوا النظر، فما خاب من استخار ولا ندم من استشار، كما جاءت بذلك الأخبار،
أجمعوا أمرهم فأخطؤوا الحساب والميزان، ولولا اللطف الخفي لنالهم الذل والخذلان، ووقع ما ليس في الحسبان، وينجح وارث السلطان في الامتحان، أوتي من كل شيء فأنى تستهويه الهدية والهديتان، وأنى تلحقه رزية
الافتتان، ضدان لا يجتمعان كذاك الكفر مع الإيمان، والنبي سليمان لا يبتغي بديلا غير الإسلام ملة أبيه ابراهام، فرتب للأمر كما أجري فلله الحمد مع الشكر.
أشرك معه الأنس والجان، ومن عنده علم من الكتاب فيحضر العرش والصولجان، قبل مروره بالخاطر والبال، وقبل قدومها على التوال.
وأدركت الحاكمة الحكيمة بالبرهان، وبلا اضطراب علم النبي سليمان لما رأته من العجب العجاب، وما أوسعه عليه الوهاب بغير حساب، فاستساغت التحول عن الكفر إلى الإيمان، وصدقت فيها وفي قومها رغبة من أنقذها من الطوفان، كما قرأ بها من ساد بالقرءان، وجمع النحو الى علم المعاني والبيان، الا يا اسجدوا لله الواحد الديان، قراءة سبعية وردت عن خير البرية صاغها مبدع اللامية،
ألا يسجدوا راو وقف مبتلى ألا
ويا واسجدوا وابدأه بالضم موصلا
أراد ألا يا هؤلاء اسجدوا وقف
له قبله والغير أدرج مبدلا
وقد قيل مفعولا وأن أدغموا بلا
وليس بمقطوع فقف يسجدوا ولا
وبتوجيه القراءتين معا يستوفى الكلام.
قرأ الكسائي ومعه أبوجعفر ورويس ألايسجدوا بتخفيف اللام وقرأ الباقون بتشديد اللام، ووجه قراءة الكسائي أنه جعل ألا للاستفتاح، وأدخلها على ياء اسجدوا على معنى يا هؤلاء اسجدوا فيا حرف نداء والمناى محذوف، واسجدوا فعل أمر وهي لغة عربية فصيحة، وقول الناظم وقف له قبله معناه قف له على من يهتدون، وعلة ذلك أن ألا يسجدوا في قراءته للاستفتاح، وحكمها ان يستفتح بها، ويجوز الوقف ابتلاء على هذه القراءة على ألا يا معا والابتداء ب اسجدوا بهمزة مضمومة على أنه فعل أمر ثالثه مضموم ضما لازما، ويجوز الوقف اختبارا كذلك على كل من ألا وحدها ويا وحدها لأنهما حرفان منفصلان، والابتداء أيضا ب اسجدوا بهمزة مضمومة أما في حالة الاختيار فلا يصح الوقف على ألا ولا على يا بل يتعين وصلهما باسجدوا.
وقول الناظم والغير ادرج مبدلا معناه أن غير الكسائي لا يقف على يهتدون بل يدرج قراءته ويصل يهتدون بما بعده لأن ألا يسجدوا بالتشديد في غير قراءة الكسائي بدل من أعمالهم أو من السبيل على زيادة لا وحكم
البدل أن يوصل بالمبدل منه.
وقوله وقدقيل مفعولا وجه أخر لقراءتهم يقتضي الادراج أيضا وهو أن يكون ألا يسجدوا مفعولا به ليهتدون على تقدير زيادة لا أيضا وحكم المفعول أن يوصل بفعله في القراءة وأجيز في قراءتهم ان يكون ألا يسجدوا مفعولا له أي فصدهم لئلا يسجدوا أو يكون خبرا لمبتدا محذوف أي هي ألا يسجدوا على عود الضمير على الأعمال أو هي أو هو ألا يسجدوا على عود الضمير على السبيل على زيادة لا أيضا فيجوز الوقف على من يهتدون.
وقوله وأن أدغموا بلا معناه أن من عدا الكساءي ومن معه أدغم أن في لا لأنها في قراءتهم الناصبة للفعل ومن هنا علم ان قراءتهم بتشديد اللام.
ولا يجوز وقف الاختبار على أن وحدها على هذه القراءة لأنها موصولة رسما ولا على الياء وحدها من يسجدوا لأنها ياء المضارعة.
والحمد لله رب العلمين
* الدكتور عبد الرحيم لغريب أستاذ بالجامعة الإسلامية مسجد الحسن الثاني.