أقلام الوسيط
البيت السني – بقلم الدكتور عبد الرحيم لغريب
الدكتور عبد الرحيم لغريب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. امشي الهوينا على استحياء ، غير ملتفت إلى الوراء ، مطأطئ الرأس في انحناء ، غاضا الطرف من غير استعلاء ،أقدم رجلا وأؤخر أخرى استحث الخطى ، فهو سبحانه لا مانع لما اعطى قاصدا الامام الشاطبي من خلال تراثه متعلما متتلمذا فهو النبع المعطاء سائلا مستنطقا اياه عن بيت في قصيدته البلسم الشافي من أنطق البكماء وأسمع الصماء مهوى أفئدة القراء والفقهاء وأنس نفوس الفصحاء البلغاء ومحضن الأدباء والنبهاء حرز الأماني ووجه التهاني ، عسى ان يأخذني جوابه إلى علياء ، لا تردني حواجز دونها عنان السماء بعد ان يفتح الحكيم الوهاب ويلهمنا عونا وتوفيقا إلى الصواب، بيت شدني كثيرا وتعلقت به تعلقا عجيبا جمع فيه رحمه الله بين الحسنيين بين جودة المبنى وسلامة المعنى، بيت تشرئب اليه الأعناق وتتلقفه الأسماع في غاية الأنس والامتاع، تحس فيه بمنتهى روعة الإبداع وجمال الموسيقى والإيقاع كلما استرجعته في عقلك الا وتنقدح ألاف الشرارات في ذهنك النابه السيال، بيت يبدو لمن اعتاد ارتياد اللامية كرات ومرات وألف الارتواء من شرابها الزلال صيدا ثمينا امنا سهل المنال، لا تبلغه المشقة ولا تخطئه الرمية، يستدعي الإصابة فتحوطه الشباك العتية فلا يتفلت من الحبال الأبية وهو القائل: وليست رؤوس الأي خافية على ذكي بها يهتم في غالب الامر ومثلها قوله فزاحم بالذكاء لتفضلا قلت له سيدي قولك معتبر وفضلك لا ينكر شمائلك شتى ومناقبك جمى وجلى، ونتاج فكرك معين لا ينضب، ذخر ممدود لنا معه في كل مجلس يوم مشهود، ولك منا شكر منشود، وذكر ذو شجون يطيب معه السمر المحمود اللامحدود، من أطال النظر فيه طالعه سعد وسعود، يرشد فيرقى ويسعد، سيدي انت الأصل وسواك الفرع وكلنا لك تبع حدثني عن بيت قلت فيه وللدال كلم ترب سهل ذكا شذا ضفا ثم زهد صدقه ظاهر جلا فجاء الجواب فورا على وجه السرعة قبل ارتداد الطرف وانسداد الرمش وانطباق الشفاه وبرد المحيا على طبق من ذهب في ثوب جديد وحلة انيقة قشيبة يعلوه سراج منير مطرز مذهب فريد ليس له نظير ولا نديد تأنس لسماعه اذن السعيد وتعشق رؤيته عين المريد الدال تدغم عند عشر ة احرف عند السوسي وهي التاء والسين والذال والشين والضاد والثاء والزاي والصاد والظاء والجيم فقلت سيدي ما هذا أردت ولا إلى هذا قصدت فلعمري هذا مما ادركناه عن شيوخنا ورثناه كابرا عن كابر وخلفا عن سلف بما أمطرونا به من وابل الإيضاح والمقاصد لا يخفى على الابق الشارد فكيف بالظامئ الوارد وقد احطنا به خبرا عن علمائنا الاماجد ذخر الامة ذوي الخبرة الخوالد لا يعتريه خلل ينعدم معه النقص والزلل خال من المثالب والشوائب ثم ببركة علمك وصدق اخلاصك وحسن نيتك ومناجاتك للخالق العالم ولله در قولك وأنفع بها وبقصدها حنانيك يا الله يا رافع العلا ويأتي التعقيب والله المعين سؤالك فهمناه وما تردد على لسانك استحسناه وأمهلني الى حين وسأتيك بالنبأ اليقين بعد أن اطوف بك في روض نضير و جنان فسيح فتقطف من ثماره ما تختار و تستبيح وبعدها أعطف بك الى ركن شديد مريح فتحظى بما تشتهيه وما تقر به عينك فتريح وتستريح فلطالما تمثلت في مجالسي بهذه الأبيات المنبهة عن الغفلات أتعرف شيئا في السماء يطير اذا سار صاح الناس حيث يسير فتلقاه راكبا وتلقاه مركوب وكل أمير يعتليه أسير يحض على التقوى ويكره قربه وتنفر منه النفس وهو نذير ولم يستزر عن رغبة في زيارة ولكن على رغم المزور يزور ان الحديث جاء بالتبع لا بالاصالة عن أبي محمد سهل بن عبدالله بن يونس التستري رضي الله عنه الصوفي الزاهد والواعظ النافع صاحب الكلام والرقائق الحسان العاكف الناسك الواصل إلى أشرف المسالك وقد تواترت الأخبار على ان تراب قبره كانت تشم منه رائحة أعطر من المسك وكان الزائر لقبره يشم منه طيبا زائدا على المعتاد فيقول هذا ترب سهل بن عبد الله التسترى كما وردت بذلك الاخبار ونظير هذا ما روى يحيى بن سعيد عن شعبة بن الحجاج قال فتن الناس بقبر عبد الله بن غالب كان يوجد منه ريح المسك وقال مالك بن دينار ذهبت إلى قبر عبدالله بن غالب فأخذت من ترابه فاذا هو مسك أو كأنه مسك وقال سعيد بن زيد أدخلت يدي في قبر عبدالله بن غالب إلى المرفق فأخرجت منه ترابا فاذا ريحه ريح المسك قال أبو محمد عبد الحق وقصة هذا القبر صحيحة مشهورة ولما خيف على الناس منه الفتنة سوي وكان سهل رضي الله عنه يقول أصولنا سبعة أشياء التمسك بكتاب الله والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الأثام والتوبة وأداء الحقوق ويروى ان الملك يعقوب بن الليث اعتقل في بعض كورالأهواز فجمع الأطباء فلم يغنوا عنه شيئا فذكر له سهل بن عبدالله فأمر بأحضاره فأحضر فلما دخل عليه قعد عند رأسه وقال اللهم أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة ففرج عنه من ساعته فأخرج أليه مالا وثيابا فردها ولم يقبل منه شيئا فلما رجع إلى تستر قال له بعض أصحابه لو قبلت ذلك المال وفرقته على الفقراء فقال له انظر الى الارض فنظر فاذا الأرض كلها بين يديه ذهب وقال له من كان حاله مع الله هذا لا يستكثر مال يعقوب بن الليث وحكى بعض أصحاب أبي العباس الخواص قال كنت أحب الوقوف على شىء من أسرار سهل بن عبد الله فسألت بعض أصحابه عن قوته فلم يخبرني أحد منهم بشيء فقصدت مسجده ليلة من الليالي فأذا هو قائم يصلي فأطال القيام فأذا أنا بشاة جاءت فزحمت باب المسجد وأنا أراها فلما سمع حركة الباب ركع و سجد وسلم وخرج وفتح الباب ودنت الشاة منه ووقفت بين يديه فمسح ضرعها وكان قد أخذ قدحا من طباق المسجد فحلبها وجلس فشرب ثم مسح ضرعها وكلمها بالفارسية فذهبت في الصحراء ورجع هو إلى محرابه رضي الله عنه. وهذا غيض من فيض ونزر قليل يكاد سنا برقه يراه الضرير يروي الغليل ويسقى العليل فيشفىه من الضر الدفين فلعله من شدة الفرح ان يطير وكل لفظة وردت في البيت من القصيد شاهدة لا يعتريها التأويل المستقبح في التنزيل السالم عن اللغو والتاثيم وأليك بيان مفرداتها فهو خير خديم الترب بمعنى التراب وسهل هو الصوفي الزاهد من كبار الزهاد وذكا أي عبق بكسر الباء والشذا حدة الطيب أي عبق طيبه وضفا طال أشارة ألى انتشار طيبه وثم زهد إشارة إلى ترب القبر أي في القبر زهد وصدقه ظاهر أي صدق الزهد ظاهر بين وجلا أي ظاهر ذو جلاء تلكم هي المعاني و الأبعاد المستساغة التي تقرب وتجلي بعمق وثراء ما كان غامضا من سيرة السالك الزكي الزاهد سهل التستري وما أدركه من مقامات ودرجات كما شهد بذلك الافراد والجماعات والله يفتح علينا وعليكم بما شاء من خزائنه ومن الايات والحمد لله ملء الأرض والسماوات .