بقلم ذ.عادل بن الحبيب … الحكامة الحزبية و مقتضيات دستور2011.
تعتبر الأحزاب السياسية حجر الزاوية في المجتمعات الديمقراطية، إذ يكفل لها الدستور والقوانين المؤطرة لها الإطار والقاعدة للمارسة الديمقراطية ويؤمن لها حرية التعبير والرأي، ويضمن لها تنفيذ برامجها، من خلال المنافسة النزيهة فيما بينها.
وقد افرزت الهندسة الدستورية التي أقرها دستور 2011، وضعا مؤسساتيا جديدا تلعب فيه الأحزاب السياسية دورا مهما ,مما سيؤدي إلى تعزيز الوجود الحزبي وتجديد النخب وانخراطها في العمل السياسي خصوصا مع مواكبة الأحزاب السياسية بالقانون التنظيمي الجديد رقم 29.11 المتعلق بالاحزاب السياسية.
إن الحديث عن دستور 2011 الذي جاء تجسيدا للإرادة الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،يحتاج لطبقة سياسية تتناسب مع حجمه. لانه ارتقى بالأحزاب السياسية إلى مستوى مؤسسة دستورية، بخلاف الدساتير المتعاقبة, فدستور 2011 عمل على تخصيص فصل للحديث عن الأحزاب السياسية وهو الفصل السابع، ووسع من صلاحياتها، إذ بقراءة متأنية للفصل السابع من دستور 2011، نجد أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم سياسيا وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، وتشارك في ممارسة السلطة، كما أن هذا الفصل، أقر بالتعددية الحزبية والتناوب على السلطة وفق منهج ديمقراطي، بل أكثر من ذلك أنه كفل للأحزاب السياسة ممارسة انشطتها بكل حرية ولكن في إطار إحترام القانون، على إعتبار أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة وعلى الجميع الإمتثال له حسب منطوق الفصل 6 من الدستور.
ومن أجل محاربة و مواجهة أي أشكال التمييز، فقد منع دستور 2011 في فصله السابع أن يكون تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو جهوي، كما يجب على الأحزاب السياسية احترام الدين الإسلامي، بإعتباره دين الدولة حسب الفصل الثالث من الدستور، وإحترام النظام الملكي، بإعتباره هو نظام الحكم في المغرب حسب منطوق الفصل الأول من الدستور، كما لا يجوز لها المساس بالأسس الدستورية والديمقراطية والوحدة الوطنية أو الترابية،وينبغي أن يكون تأسيس وتنظيم وتسيير كل حزب مطابقا للمبادئ الديمقراطية،وبالرجوع للفصل 9 من الدستور الجديد فإن الأحزاب السياسية اصبحت تحل بمقرر قضائي بمعنى من طرف المحكمة الإدارية بالرباط حسب ما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي 29.11 ، ففي السابق كانت تحل بمرسوم حسب القانون السابق للأحزاب السياسية 36.04،ولقد عمل دستور 2011 على تحصين حرية الإنتماء السياسي بموجب الفصل 29،ومن أجل ضمان الحكامة الجيدة داخل الحزب السياسي فقد أوكل المشرع الدستوري مهمة تدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الإنتخابية، للمجلس الأعلى للحسابات، حسب منطوق الفصل 147.
وجاء القانون التنظيمي 29.11 تفعيلا للفصل السابع من الدستور، الذي رفع من مستوى المقتضيات المنظمة للأحزاب السياسية من قانون عادي (36.04) إلى قانون تنظيمي،
ويعتبر القانون التنظيمي 29.11 أول قانون تنظيمي مكمل لدستور 2011 دخل حيز التطبيق.
وقد حدد هذا القانون التنظيمي، تعريف الحزب السياسي والقواعد المتعلقة بتأسيسه والإنخراط فيه وممارسة أنشطته، ومبادئ تنظيمه وتسييره، ونظام تمويله و مراقبته ، و دعمه.
ويمكن للمواطنات والمواطنين البالغين سن الثمانية عشر الإنخراط بكل حرية في أي حزب، وتتخذ الأحزاب السياسية جميع التدابير الكفيلة بتشجيع الإنخراط فيها، وقد حدد هذا القانون التنظيمي، أنه يجب على الحزب السياسي، أن ينظم ويسير وفق مبادئ الديمقراطية، تسمح لأي عضو من أعضاءه بالمشاركة الفعلية في إدارة وتسيير مختلف أجهزته، كما يتعين مراعاة مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير شؤونه، ولاسيما مبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة،ولقد استجاب هذا القانون التنظيمي لمطالب الحركة النسائية والحقوقية ومطالب الشباب، إذ يجب على الأحزاب السياسية تمكين النساء الثلث من المواقع القيادية في الحزب، تماشيا مع الفصل 19 من الدستور المغربي الذي ينص على المناصفة بين الرجل والمرأة، وبالإضافة إلى هذا ،نجد أن القانون التنظيمي أكد على ضرورة توفر الحزب السياسي على الهياكل الجهوية،تماشيا مع ورش الجهوية المتقدمة.
كما أن هذا القانون التنظيمي نص على دعم الأحزاب السياسية، بإعتبارها مكون أساسي في الدولة، ودورها أساسي في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وإن كان تم الإبقاء على الدعم المنصوص عليه في القانون السابق(36.04)،فإن هذا القانون التنظيمي، أضاف أنواعا جديدة من الدعم، تتجلى فيما يلي:
-السماح للأحزاب بإمتلاك المنقولات والعقارات الضرورية لنشاطها؛
-الإستفادة من الدعم للمساهمة في تغطية مصاريف تدبير الأحزاب؛
-الإستفادة من دعم الحملات الإنتخابية؛
-الإستفادة من دعم سنوي يعتبر فيه عدد الأصوات المحصل عليها الذي يراعي الأحزاب الصغيرة،وهو الأمر المستجد في هذا القانون التنظيمي، الذي يسمح بالإستفادة من الدعم حتى للأحزاب التي تحصل على نسبة 3٪؛
-الإستفادة من إعفاءات تتعلق بالضرائب والرسوم المطبقة على الممتلكات العقارية والمنقولة؛
-حق الأحزاب في الإستثمار في المقاولات الصحفية ومقاولات النشر والطباعة.
لقد حاول دستور 2011 والقانون التنظيمي 29.11 المنظم للأحزاب السياسية من ضمان الحكامة الحزبية والديمقراطية داخل الحزب، من أجل إفراز نخب ذات كفاءة، تساير منطق دستور 2011.
قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب افتتاح البرلمان سنة 2018:”… والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات…”
لاكن السؤال المطروح هل واكبت الأحزاب تغييرات و صلاحيات دستور 2011 ?
المشكل الذي تعاني منه اغلب الأحزاب السياسية كما يقول الدكتور “المنتصر السويني” أن اغلب قادتها ليسوا بحجم الوطن، بمعنى قادة ماضيهم لم يثبت للشعب أنهم وطنيين بالتضحية، قادة ينتظرون الإنتخابات لكسب عطف الشعب، برامجهم الإنتخابية مبنية على التنبؤ، قادة تغيب فيهم الكفاءة السياسية، قادة همهم الوصول إلى السلطة ،قادة يعملون على سن قوانين لصالحهم حتى يظلوا في الحكم،مما دفع الشعب الى فقد الثقة في العمل الحزبي و العزوف عن الإنتخابات و الثقة فقط في المؤسسة الملكية.
لقد أدت الوضعية التي آلت إليها اغلب الأحزاب، بفعل عوامل كثيرة، إلى جعلها ليس فقط غير قادرة على ممارسة وظيفتها في مجال تأطير المواطنين فقط،ولكنها حالت دون تمكينها من تكوين وإفراز نخب سياسية مؤهلة تساهم إلى جانب الدولة في تسيير وتدبير الشأن العام.
ولقد كشف مشروع قانون 22.20الخلل الذي تعاني منه المنظومة الحزبية بالمغرب فالجميع تبرأ منه، الأحزاب السياسية المكونة للحكومة، رغم أن الدستور المغربي واضح والقانون التنظيمي كذلك، ويبقى السؤال إذا كانت جميع الأحزاب السياسية في الحكومة تتبرأ من مشروع قانون 22.20، إذن من الذي صادق عليه في المجلس الحكومي، ومن يترأس المجلس الحكومي؟ أليس رئيس الحكومة هو من يترأسه بموجب الفصل 92 من الدستور؟ بل أكثر من ذلك، لاحظنا إرتباك حتى في المواقف الحزبية، فحتى الأحزاب التي كانت في المجلس الحكومي، خرجت ببيانات ضد مشروع قانون 22.20 ، ولاحظنا أن مسار إعداده كله إرتباك (إقتراح-تقديم-إجتماع مجلس حكومي-مصادقة-عدم المصادقة).
ضعف مذكرات اغلب الأحزاب السياسية حول النموذج التنموي التي أقل ما قد يقال عنها أنها محتشمة ودون المستوى. “أكبر مذكرة لا يتجاوز عدد صفحاتها 40 صفحة وأقصر مذكرة لا يتجاوز عدد صفحاتها 14 صفحة أو 13 صفحة”، كما جاء على لسان الأستاذ الجامعي عبد العالي بنلياس، “علما أن الأمر يتعلق بنموذج تنموي يتناول مستقبل المغرب للثلاث أو الأربعة عقود المقبلة، يتناول مستقبل المغرب في المجال الاجتماعي، المجال السياسي، المجال الاقتصادي، المجال البيئي في علاقته مع محيطه الإقليمي، في علاقته كذلك مع محيطه الدولي, يبين جليا ضعف القدرة الاقتراحية لدى اغلب الاحزاب.
عزوف الشباب عن الأحزاب واتخاذ موقف سلبي منها أبرز السمات المميزة للمشهد الحزبي الذي لم ينفتح على الشباب ولا طور طرق الاستقطاب، رغم ما تتيحه الديمقراطية الافتراضية من إمكانات واسعة لمخاطبة هذا الجيل بلغته وعبر وسائط تكنولوجية تختصر الجهد والوقت وتقلص المسافة.
هذا الوضع تعكسه وتؤكده جل الإحصائيات والدراسات الرسمية مثل تلك التي أجرتها المندوبية السامية للتخطيط، إذ وجدت أن 1% فقط من الشباب المغربي هو من يشتغل من داخل إطارات حزبية.
هذه الاحصائيات توضح ضعف قدرة الاحزاب على التاطير و الاستقطاب خاصة في فئة الشباب.
ويرجع هذا الضعف الى انسداد البنية التنظيمية للأحزاب، وعدم المبالاة بما يقع داخل الهياكل الحزبية من نقاشات .
وعدم تبني ديمقراطية داخلية، والاستئثار بالرأي، وعدم إشراك جميع الفئات المكونة للحزب خاصة منها فئة الشباب والنساء.
ينبغي على الأحزاب السياسية أن تنشغل بإصلاح ذاتها، والتركيز على التأطير وتكوين النخب ذات الكفاءة وإعطاء التزكية لمن يستحقها، حتى تستطيع بذلك إنتاج جيل من الكفاءات الحزبية، يستطيع تسيير الشأن العام واتخاذ قرارات لصالح الوطن والمواطنين، ويساهم بقراراته في بناء الوطن وتنميته ويحافظ على كرامة وحرية مواطنيه وكما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطاب العرش لسنة 2019:”…إن المغرب ملك لجميع المغاربة، وهو بيتنا المشترك. وعلينا جميعا، كل من موقعه، أن نساهم في بنائه وتنميته، وأن نحافظ على وحدته وأمنه واستقراره.
مغرب يتسع لكل أبنائه، ويتمتع فيه الجميع، دون استثناء أو تمييز، بنفس الحقوق، ونفس الواجبات، في ظل الحرية والكرامة الإنسانية… “.
يجب على الاحزاب الإبتعاد عن منطق الربح والخسارة وأن تضع مصلحة الوطن والمواطنين هي الأولى وليس الظفر بالمقاعد أو سن قوانين لتحقيق المصلحة الذاتية أو لتعبيد الطريق للبقاء في السلطة. فلا يمكن أن نطمح إلى تطوير المجتمع وإصلاح الدولة بآليات تعاني خصاصا ديمقراطيا ذاتيا، وهي ذاتها في حاجة إلى إصلاح وتقويم.
إننا نعيش عصر الحكامة، والحكامة الحزبية تقتضي وضع الأحزاب السياسية قوانين ومبادئ أساسية وأخرى داخلية، تنظم العمل الداخلي وتحدد الإختصاصات والمسؤوليات ومن جانب آخر تؤسس لعملية تكريس الديمقراطية الداخلية من خلال انتخاب الهيئات التقريرية والتنفيذية، كما تحدد إطار اشتغال كل منها عبر قنوات تواصلية داخلية تجعل ممارسة الحكامة وتطبيق الديمقراطية أمرا عاديا سليما.
مقال رائع