أقلام الوسيط

الجدة فرنسا.. وأفريقيا..بقلم -الدكتور عزالدين بوالنيت-

 

يقال إن رئيس فرنسا الذي لا يحسد هذه الأيام على وضعه السياسي، ووضع بلده الصحي، فوجئ أثناء زيارته لأحد مراكز البحث العلمي الفرنسية، بالعدد الهام من الباحثين من أصل افريقي العاملين في تلك المراكز.. معظم هؤلاء تلقوا تعليمهم في مدارس أفريقية وعلى أيدي مدرسين أفارقة، وعلى نفقات الشعوب الأفريقية، ولا فضل لفرنسا في تكوينهم، إلا فضل قطاف الثمرة بعد نضجها..

لا أظن أن رئيس فرنسا، ولا اي مسؤول آخر فيها، يمكن ان يتفاجأ من هذا الوضع، حتى ولو تظاهر بذلك. فهم يعلمون علم اليقين انهم يسرقون أفريقيا بكل الاساليب منذ قرنين، ويعرفون أن رفاهيتهم المزعومة يدينون بقسط كبير منها لما غنموه وما زالوا يغنمونه من ثروات افريقيا، إبان الاستعمار وبعده. هم يعلمون جيدا ان جيوشهم ومخابراتهم متوغلة في افريقيا، ومتورطة في تمويل وافتعال جل نزاعاتها المسلحة وانقلاباتها.. هم يعرفون ان أيديهم ولغت في دماء الافارقة، وعاثت في ثرواتهم الطبيعية والبشرية.. وهم يعرفون كيف يبتكرون ويجددون في ابتكار أساليب السرقة وأوصافها، ولا يخفى عليهم شيء من ذلك.

في الحملات الانتخابية الرئاسية، يحتل موضوع هجرة الأدمغة ومخططات تشجيعها حيزا هاما في نقاشات المرشحين، وان كانوا يتعمدون تغليفها بإغراقها في نقاش قضايا الهجرة عامة.. يلوحون بكون الهجرة والمهاجرين يمثلون مشكلة سياسية داخلية، ويزعمون ان مشاكل فرنسا آتية من المهاجرين، يقذفون بالتهم يمينا ويسارا ووسطا، في وجه القادمين من افريقيا، تارة بالارهاب، وطورا بالجريمة وعدم الانضباط للقانون، واطوارا أخرى بتهديد أسس الجمهورية ومبادئها. ولكنهم، في المقابل، يخفون بإحكام ما وراء ذلك من إجراءات مقصودة لإفراغ أفريقيا من أطرها ومؤهلاتها البشرية. يسرقون اقتصاد افريقيا، ويرشون نخبها، ويبتزون حكامها، ويتوجون ذلك بسرقة طاقاتها البشرية بعد إفقارها.

فرنسا طبعا، في هذا ليست سوى وجه من وجوه الامبريالية، إمبريالية الرأسمالية المستأسدة.. وهي في هذه المساعي الامبريالية، لا تنفك تزعم تلقين افريقيا مزيدا من الدروس في مجال الديمقراطية والشفافية والنزاهة وحقوق الانسان.

لكن أجمل ما في المشهد اليوم، هو ان أزمة كورونا، لم تترك للأوساط الاستعمارية في الواجهة الإعلامية والسياسية الفرنسية، ما يكفي من الوقت كي تتقن ماكياجها فظهرت بوجهها العنصري المتعالي والانتهازي الذي لم تستطع أن تتقن التنكر لإخفائه..

بقي علينا نحن، ان نعي حدود مصداقية ما يقوله الفرنسيون، فيما بينهم، او ما يقولونه باتجاهنا. فليس كله نابعا من حرص انساني وديع، وليس بالتأكيد من أجل ما في عيوننا من زرقة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى