أقلام الوسيط

التعليم بين استراتيجية الإصلاح وواقع الممارسة

              

هناك فرق كبير بين تنظير الٍاستراتيجيات وبين الحقيقة التي تقابل كل ممارس ميداني على أرض الواقع داخل المنظومة التربوية وخاصة المجتمع المدرسي الذي يعكس بتجلي مدى نجاعة أو فشل كل برنامج اٍصلاحي وما يمكن أن يخلقه من رجة في النفسية الجماعية لكون التعليم استأثر عبر تاريخ الاستقلال بالنصيب الأوفر من اهتمامات الدولة في سياسة الاٍصلاح ،اٍلا أن الواقع ما زال يؤشر على أن الصورة السوريالية للإصلاح لا زالت تتطلب المزيد من التخطيط والشرعنة المحلية للمنظومة التربوية حسب التقطيع الجغرافي الأكاديمي وعلى أن تحسين فعاليتها سيظل مرتبط بالإنعاش التنموي المحلي المرتبط بدوره بتلبية الطلب المتزايد على التعليم داخل كل قطب جغرافي وفق المعايير الضرورية التي تستجيب لانتظارات المواطنين وحاجيات المتعلمين داخل مشروع اٍصلاح تنموي متكامل من حيث العرض والطلب بغية التقليص من الاٍهدار التقني لبرامج الاٍصلاح واٍعادة الاٍصلاح ،لأنه يجب الاعتراف على أن الاٍصلاح عبء وأن بناء المجتمع يتطلب جهاد متواصل لا يتنافى مطلقا مع احترام مصلحة الوطن والمواطنين شرط أن يختزل الاٍصلاح كضرورة لمشروع مجتمعي صادر من عمق الحس الوطني المسؤول للمؤسسات السياسية والدستورية الحريصة على الواجب الوطني والصالح العام .                              وعلى العموم أيا كانت طبيعة مقاصد الاٍصلاح التعليمي فهي تظل قاصرة عن تحقيق جميع ما ينتظر منها تحقيقه ما لم تكن تعتمد مقاربة الاٍنصاف بتمتيع جميع المتعلمين بالحق في حياة مدرسية جيدة بل وجعلها حق لكل متعلم بمقتضى مرجعيات الدستور المغربي وكذا النصوص التشريعية والتنظيمية المختصة في ذلك وفق شروط الٍاختلاف الجغرافي و السوسيو اقتصادي على المستوى الوطني والجهوي والاٍقليمي والمحلي ومن حيث تدبير المخططات الٍاستراتيجية وفق مؤشرات قابلة للإنجاز والتتبع داخل واقع الممارسة الفعلية ذات الصلة المباشرة بالمنظومة التربوية والمواكبة للعمل الميداني تحت اٍشراف اٍدارة تربوية قائمة بذاتها على قواعد جديدة في التتبع والتقويم داخل رؤية توافقية بين جميع الفاعلين التربويين والمتدخلين على مستوى المؤسسة التعليمية حيث بات يلزمها أن تروم التحول من تدبير الأزمات اٍلى تصريف الكفايات في اٍطار الاٍستقلالية المعقلنة باتخاذ المواقف المناسبة حسب الوضعيات المختلفة وفق منهاج تربوي قائم على اٍدماج المجتمع في قلب المؤسسة بالجمع بين مصلحة المتعلم والمدرس في إطار توافقي له ارتباط بالمصلحة العامة للوطن اعتمادا على آليات ملائمة في تفعيل مخططات الاٍصلاح حسب ما تفرضه بالأساس المتغيرات السوسيو- اقتصادية والتكنولوجية. وفي هذا الصدد أمكن القول على أنه لا يكفي الترويج للإصلاح التعليمي في معالجته لأزمته العميقة دون الاٍشتغال على ضرورة احترام الٍاستقلالية النسبية للمؤسسة التعليمية في استثمار مؤشرات هويتها في علاقتها بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي و لكونها تتأثر به سلبا واٍيجابا، وأيضا لاعتبار مهمتها الأساسية هي اٍنتاج مواطنين ذوي وعي ديموقراطي مطابق لواقعهم وقادرين على كسب رهان الهوية الثقافية المبنية على قيم المواطنة واٍلا سيبقى هذا الاٍصلاح كاريكاتوريا فارغا من أي مدلول حقيقي ما دام لا يلامس حقيقة الواقع الميداني للمنظومة التربوية من داخل المؤسسات التعليمية، وهذا ما معناه أن المدرسة شديدة الٍارتباط بالدولة والمجتمع المدني لذلك ما لم تتفاعل بفرض سيادتها داخل استراتيجية الاٍصلاح فسيبقى اٍكراه الاٍصلاح اٍذن عبارة عن عنف رمزي للدولة حسب تعبير بيير بورديو Pierre Bourdieu .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى