سلطان الدين والعلم / حسام الكوينة
حسام الكوينة
من المعروف بأن الدين والعلم يشكلان معا مظهرين من مظاهر الحياة الاجتماعية، فالبرغم من انتشار صورة نمطية عند العديد من الناس حول كون العلم مختلف عن الدين في أصله ومنهاجه ومن الغاية من تواجده، وكونهما اتجاهان متخالفان ومتفاراقان لا يلتقيان، إلا أن تلك الصورة ربما أن تمعنا فيها جيدا، سنجدها غير واقعية.
إننا لا نجد في طبيعة العلاقة بين العلم والدين أي تناقض، لكونها علاقة تكامل، فالدين يدعو للقيم والأخلاق، وهو نفس ما يبحث عنه العلم بمختلف فروعه إضافة إلى الاكتشافات والاختراعات، اكتشاف ومعرفة مغلفة بقيم الاخلاق.
وعليه فكل واحد منهما لابد منه، لأنه يتكامل مع الآخر ولا يتعارض معه، وهو ما يؤكده المفكر والسياسي علي بيجوفيتش في كتابه “الاسلام بين الشرق والغرب” بقوله: “رجل العلم يحاول تعليل الخليقة على أساس مبدأ السببية، أما رجل الدين فهو يؤكد الوجود على أساس مبدأ الغائية، فهذان المبدآن “السبب” و “الغاية” والبداية والنهاية أستطاع الفكر البشري أن يستوعبهما، بالتكامل وليس التعارض” .
أما عن علاقة الاسلام بالعلم، فالإسلام يؤاخي بين العلم والدين، بل لم تعرف البشرية دينا ( سماويا كان أم وضعيا ) شجع على العلم والتعلم، وجمع بينهما وبين العبادة كالإسلام.
ومنذ البدايات الأولى للإسلام اتسم العلم بالخير، وبحث عنه، فلم يكن هدف العلم الإسلامي في أي وقت من الأوقات وعلى مر القرون، الحط من قيمة الإنسان أو التهافت من أجل إيجاد وسائل التدمير والتخريب، فالعلم الإسلامي من أجل ذلك كان ضرورة لا ترفا.
كان هذا الظمأ إلى العلم مقترنا باستعداد المسلم لاستخدام عقله، فكانا السبب الرئيسي لازدهار العلوم الإسلامية مع مستهل القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري)، وما تلاه من يقضة فكرية وشرعية وعلمية، بل ومن المفروض علينا ذكر أربعة عشر معلما عالميا، كابن فرناس والخوارزمي والرازي وابن سينا والبيروني وابن الهيثم وابن رشد وابن النفيس وابن بطوطة وابن خلدون، جميعهم خلدوا بأعمالهم منجزات العالم.
انا جد مؤمن بأننا لا نحتاج إلى علم بلا دين، لأن العلم الذي لا يعترف بسلطان الله على الكون سيعبد في النهاية نفسه، كما أننا لسنا محتاجون لدين دون علم، لأن الإسلام الذي بدأ بكلمة اقرأ لن يرضى بأن يصبح أتباعه مجرد جهلة .
أتذكر جيدا ما خطه العلامة الزعيم علال الفاسي في كتابه النقد الذاتي (فصل : الفكر الاسلامي ص 128) حين قال:
” .. ان الذين يتريثون في نهوضهم خوفا على الدين أو ترددا فيما يأمرهم به الإسلام ليمثلون اكبر عامل ضد الفكر الإسلامي الذي يأبى الجمود وينكر التردد او الجحود .. أما أولئك يفكرون في السير دون هذا الزاد فسيعيون في الطريق ويضلون الاتجاه ولن يكون لهم في إدراك الركب من نصيب”.