كوفيد22.20
صُعِقَ الرأي العام الوطني بتسريب بعض معطيات تخص مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة في استغلال فج لجائحة “كورونا “لتكميم وسائط الاتصال الاجتماعي واضطهاد المواطنين والصحافيين، ومقاضاة الأشخاص بسبب تعليقاتهم وتدويناتهم على الأنترنت حول مسائل تهم الشأن العام وترسيم عقوبات سالبة للحرية.
فتعالت أصوات وتعبيرات تطالب بالسحب الفوري لهذا المشروع التكبيلي باعتباره اعتداء سافر على الحق في حرية التعبير والنشر وحلقة جديدة من مسلسل تراجعي مخجل .
هذا في الوقت الذي ينشد المجتمع وقواه الحية إقرار قوانين عصرية وديمقراطية تحمي الحقوق وتضمن الحريات وتحترم كرامة الأشخاص وتتصدى لمن استعمل وسائط التواصل الاجتماعي “الفايس بوك “و” تويتر” بالإضافة إلى حسابات على انستغرام لبث الصور المقززة وصور القتل والإرهاب والعنف الهمجي، ولاستقطاب و تجنيد المقاتلين في عدد من بؤر التوتر،وفي حملات تكفير النشطاء السياسيين والمثقفين ونشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية ونشر الكراهية والحقد.
قد نتفق في التصدي للهجمات التحريضية لعدد من التكفيرين أمثال المدعو أبو النعيم الذي كفّر المجتمع وفعالياته منذ 2016 وهو يصول و يجول ويعبث الى أن أُطيح به بعد أن كفّر الدولة في مرحلة “طوارئ كورونا” .
كما قد نتفق في التصدي لعدد من مظاهر الممارسات العنصرية… ونؤسس لمعايير الأخلاقيات وليس تنزيل قوانين لخدمة متنفذين ماليين واقتصاديين، واحترام رأي واستشارة المؤسسات الدستورية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ،ورأي المجلس الوطني للصحافة والمهنيين وفي مقدمتهم النقابة الوطنية للصحافة المغربية ..
إنه منحى وأحكام متعارضة بصورة صارخة مع كافة التراكمات النوعية والهامة آخرها ضمانات دستور 2011 وضد المواثيق الدولية التي تحمي الحقوق والحريات،وضد ما رسمه خبراء أمميون حذروا قبل أيام قليلة الدول في معرض مجابهتها لكوفيد-19، من استغلال تدابير الطوارئ لقمع حقوق الإنسان إذ حث خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، الدول على تجنب تجاوز التدابير الأمنية في استجابتها لتفشي فيروس كورونا وذكّرتها بأنه لا ينبغي استخدام الصلاحيات الاستثنائية لقمع المعارضة.
كما أكد الخبراء في بيان لهم “في حين أننا ندرك خطورة الأزمة الصحية الحالية ونقر بأن القانون الدولي يسمح باستخدام الصلاحيات الاستثنائية استجابة للتهديدات الكبيرة، فنحن نذكر الدول بشكل عاجل بأن أي استجابات طارئة لفيروس كورونا يجب أن تكون متناسبة وضرورية وغير تمييزية”
ويكرر نداؤهم الدعوة الصادرة عن المفوضة السامية لحقوق الإنسان التي تحُث على “وضع حقوق الإنسان في صلب استجابة لتفشي فيروس كورونا.”وشدد الخبراء أن إعلان حالات الطوارئ في البلدان سواء لأسباب صحية أو أمنية يتبع توجيهات واضحة من القانون الدولي. “يجب التصريح علناً باستخدام الصلاحيات الاستثنائية وينبغي إبلاغ هيئات المعاهدات ذات الصلة بها عندما تكون الحقوق الأساسية بما في ذلك الحركة والحياة الأسرية والتجمع، محدودة بشكل كبير”.ولا ينبغي أن يكون بمثابة غطاء “لعمل قمعي تحت ستار حماية الصحة أو أن يستخدم لعرقلة عمل المدافعين عن حقوق الإنسان”.
كما شجعوا الدول على أن “تظل ثابتة في الحفاظ على نهج قائم على حقوق الإنسان بهدف التكتم بهذه الجائحة، من أجل تسهيل بزوغ مجتمعات سليمة تتمتع بسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.”
وإذا استحضرنا كل هذا السياق الوطني ،وهاته المرحلة العصيبة التي تجتازها البلاد والتي أبان الشعب المغربي عن انخراطه القوي ورفع درجة التعبئة المجتمعية بتقوية مكانة البعد الديمقراطي والحقوقي الذي يبقى رهانا في حاجة الى تعزيز مسار حقوق الإنسان مابعد تقرير الخمسينية وما بعد تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة ومابعد “كورونا” ونحن ننشد نموذجا تنمويا جديدا ضمن أهم مداخله المطلوب نشر ثقافة حقوق الإنسان وسط المجتمع وإقرار الديمقراطية في كافة أبعادها، والتثقيف والتربية على المواطنة والسلوك المدني وتعميم مبادئ الحوار ونبذ التعصب والتمييز وشرعية المؤسسات الدستورية.
إن حماية حرية التعبير والصحافة وعدم تقييد الحقوق والحريات والحق في المعلومة والأخبار الصحيحة وسلامة الصحفيين من الاعتداءات عند تغطية أحداث لها صلة صحية أو اجتماعية بالوباء انسجاما والمعايير الدولية المتعلقة بحرية التعبير تبقى ذات ملحاحية في هاته المرحلة الدقيقة التي تجتازها بلادنا.
لذلك فلن ننجح باستغلال هاته المرحلة لتمرير قوانين بالية تتقاطع مع تجارب الأنظمة الشمولية ككوريا الشمالية والصين وايران…
كما أننا متشبتون بتقوية البناء الديمقراطي والمؤسساتي والوحدة الوطنية والتضامن وتشييد مقومات المجتمع العصري والحديث، ومبادرات نحو التقدم وليس الرِّدة . لذا نأمل أن تتقوى وبألّا تُجهض بهذا النوع من القرارات الغير موفقة لا شكلا ولا مضمونا ولا زمانا.
ونظرا لخطورة هذه المبادرة التشريعية فالمطلب إعلان السحب الفوري لهذا المشروع التكبيلي.
*جواد الخني ،صحافي،رئيس المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان