تقنين……. بقلم الدكتور * عز الدين بوالنيت
تقنين…
1 – من باب التدقيق، من يقنن هو الدولة ككيان مجرد، وليس الحكومة.. الحكومة لها فقط المبادرة التشريعية، قبل ان يتولى البرلمان صاحب الاختصاص الحصري، التشريع. وفي نهاية المسار، يأمر الملك بتنفيذ القانون (التنفيذ يعني حرفيا، جعل القانون يكتسب قوة النفاذ) ثم بنشره في الجريدة الرسمية. عندئذ فقط يصبح القانون قائما بعد اكتمال آخر شروط صحته وهو نشر النص الرسمي للقانون على العموم، في المنبر الرسمي المخول بذلك.
2- تقنين اي مجال من مجالات الحياة العامة وشؤونها أمر ضروري إذا كنا بالفعل ندرك المعنى الحقيقي لعبارة “دولة القانون”، التي نرددها في الغالب كشعار فقط..
3- جميل ان “نقشب” قليلا على هامش موضوع تقنين استعمال القنب الهندي. لكن من المفيد أيضا ان ننتبه إلى أهمية ودلالة قرار المصادقة الحكومية على إطلاق المسار التشريعي لمشروع هذا القانون، في انتظار معركته البرلمانية، والتي قد تدوم لسنوات، وقد تشكل احد مواضيع الحملة الانتخابية المقبلة، لو تعثرت المصادقة عليه في ما تبقى من هذه الولاية التشريعية.
4- خطوة تقنين أوجه استعمال القنب الهندي، خطوة ضرورية في دولة تريد ان تحترم مبدأ “دولة للقانون”. ذلك ان أي إجراء او تصرف يهم الاستفادة من منافع هذه النبتة، لا بد ان يكون مؤطرا بالقانون. بالقانون وحده نكون على بينة من التصرفات المقبولة والتصرفات غير المقبولة، ويصير كل من يعنيه الموضوع عارفا بواجباته القانونية، وتصير الدولة من جهتها عارفة بحدود تصرفها القانوني في كل ما يتعلق بهذا الموضوع.
5- ما يقوله القانون في الموضوع اليوم لا يتعدى بضعة مقتضيات في القانون الجنائي. وعدم الإقدام على التشريع في هذا المجال، مؤداه إبقاء الوضع على ما هو عليه. وهذا يعني في حالتنا التشريعية الراهنة: المنع والتجريم، حتى ولو كانت الغاية هي استخراج المكونات النافعة في النبتة لاستعمالها في ما نحتاجها اليه. لا يستطيع أحد في الوضع القانوني الراهن ان يقترب من هذه النبتة دون أن يدخل منطقة الإجرام، ولا يحق من الناحية القانونية لأي سلطة عمومية ان تصدر قرارا بالسماح لهذا او ذاك بدخول هذه المنطقة المحرمة.
6- حين نضع إطارا قانونيا واضحا لأي مجال، نكون قد دخلنا مرحلة الرشد القانوني فيما يخص ذلك المجال، حيث نصير قادرين على التمييز وعلى تحمل المسؤولية بوضوح. ومنذ مدة وأنا أتابع كيف يتم تعمية النقاش حول موضوع تقنين استعمالات القنب الهندي، تارة بإقحام الكيف فيه عنوة، وتارة بتتفيهه من خلال التركيز تعقب البهلوانيات السياسية لبعض الاطراف، والمزايدة عليها. ومن شأن هذا أن يفوت علينا مرة أخرى فرصة مناقشة رشيدة لموضوع جاد.