فتح تحقيق دركي في سرقة تلاميذ لتمرات من المطعم المدرسي: واقع جديد وفريد في المدرسة المغربية
بقلم ذة: مريم زينون
من البديهي القول أن المدرسة العمومية تتكامل مع مؤسسة الأسرة وتلعب دورا أساسيا في التنشئة الاجتماعية باعتبارها تنتج منظومة القيم والمعارف والخبرات التي تنقل عبر القدوة التربوية تحت هيمنة الفعل التربوي والتأهيل المعرفي، مما يعني أن المدرسة باعتبارها إحدى مكونات المجتمع المدني يعول عليها في بناء منظومة الإنتاج المادي والروحي للمجتمع. ليس فقط من خلال مضامين مقرراتها ومناهجها، بل أيضا من خلال تحديد علاقات العاملين بها من إداريين ومدرسين بالتلاميذ، حيث نجد أن ضمان تعليم ذي جودة للجميع دفع بالدولة المغربية إلى فتح أوراش كبرى تتماشى واختياراتها الاستراتيجية من أجل إصلاح منظومة التربية والتكوين، لاسيما ما يتعلق بإلزامية التعليم دون سن 16 سنة وتشجيع التمدرس بالعالم القروي في إطار الإنصاف وتكافؤ الفرص طبقا لأحكام الدستور المغربي، والذي تم تحديده كإحدى رافعات مضامين القانون الإطار 17-51 “تخويل تمييز إيجابي لفائدة الأطفال في المناطق القروية وشبه الحضرية، فضلا عن المناطق التي تشكو من العجز أو الخصاص” بمعنى أن ورش الإصلاح يستوجب إيلاء الأهمية والأولوية لأبناء العالم القروي وخاصة المعوزين منهم كما نصت عليه التوجيهات الملكية بانخراط جميع الفاعلين في المنظومة التربوية والشركاء المتدخلين وفي صدارتهم القائمين على الشأن التربوي داخل الفضاءات التربوية بالمؤسسات التعليمية عمومية كانت أم خاصة، بشكل يجعلهم يتجهون نحو تكوين مواطن إنسان، تكوينا يمكنه من استدماج الأثر الإيجابي للمربي والقدوة الاجتماعية، بفضل ما يحصل عليه من مكاسب أخلاقية أولا ومعرفية ثانيا، والذي أسست لأجله أيضا استراتيجية الإصلاح ورشا خاصا مصادق عليه حكوميا بموجب القانون الإطار أسمته ” الارتقاء بالحياة المدرسية” بغرض اعتماد نموذج بيداغوجي جديد يهدف إلى بناء الإنسان ويربي على المواطنة.
لكن للأسف، في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن إصلاح المدرسة العمومية وتصالحها مع محيطها الاجتماعي يحدث خلل وظيفي من مربية مسؤولة عن تأمين السلامة النفسية والمعنوية والجسدية للمتعلمات والمتعلمين بالمؤسسة بممارسة عنف نفسي غير مباشر من خلال إقحامهم في مشهد درامي بسبب تحقيق دركي من أجل معرفة دواعي وأسباب سرقة قطع البسكويت وتمرات من المطعم المدرسي، مما قد ينعكس على شكل أزمة حادة داخل المدرسة في ربطها بمحيطها الاجتماعي والثقافي، مما قد يكون له أوخم العواقب في إعادة إنتاج أزمة المدرسة المغربية وتناقض دورها مع أهداف الإصلاح. الأمر الذي قد يضيق معه أفق إعادة المصداقية في تجويد خدمات المدرسة العمومية وإفراغها أمام خطأ المسؤولة الإدارية، في قضية تخوين التلاميذ القاصرين، من مدلولها الحقيقي للتربية والتعليم. في حين أن مهمة المدرسة الاحتضان الرمزي لمفهوم الأسرة من خلال التبني العاطفي والدعم النفسي والاجتماعي دون تغافل عن أي تقويم في التمثلات والسلوكيات.
ويمكن القول أن مهمة أي مسؤول تربوي داخل مؤسسة تعليمية الحرص على تحقيق السلم الداخلي للمؤسسة من خلال تأطير مقاربة الاستماع والمصاحبة بإحداث خلايا اليقظة التربوية لاستدراك الأخطاء التلاميذية والإكراهات المتسببة في الهدر المدرسي ضمانا للاستقرار الدراسي للمتعلمات والمتعلمين بمؤسستهم ، وليس العكس. علما أن الدولة المغربية رسمت خارطة طريق متمحورة حول التلميذ والمدرس والمدرسة باعتبار أن الاستثمار في الرأسمال البشري رافعة للتنمية المستدامة ومن أهم مرتكزات الإصلاح.
وبالعودة مرة أخرى إلى المشهد الدرامي للتحقيق مع أطفال حول سرقتهم لقطع البسكويت وتمرات من مطعم مدرستهم، يدفع إلى الاستنتاج أنه لا يمثل (أي المشهد) في واقع الأمر إلا انعكاسا لأزمة تدبير إداري داخل المؤسسة وتقصير تربوي لمسؤولة عجزت عن الإلمام بمضامين القانون الإطار للإصلاح الذي تم تنزيله منذ غشت 2019 والملزم بجعل التلميذ محور الحياة المدرسية، علاوة على فشلها في إيجاد حلول لوضعية تربوية تنذر بالسلبية والتغافل أمام سياسة الإصلاح التعليمية، من خلال ردة فعل معادية ومعاكسة لكل التوجهات الاستراتيجية التي تنحى فيها الدولة إلى تطوير منظومة الدعم الاجتماعي وخلق التمييز الإيجابي في العالم القروي بتوفير الإطعام المدرسي وتخصيص الدعم للأسر وتوسيع شبكة المدارس الجماعاتية والنقل المدرسي، لاسيما إذا كان هؤلاء التلاميذ المتهمين بالسرقة هم المستهدفين أساسا بعملية الدعم الاجتماعي والإطعام المدرسي، وأمام هذه الوضعية يكون السؤال الذي يطرح نفسه، ألا يمكن اعتبار ما قام به هؤلاء التلاميذ القاصرين إنذارا بوجود خلل وظيفي في تمكينهم من دعم موجه لهم؟ أو بعبارة أخرى ألا يمكن اعتبار سلوكهم اللاتربوي “امتلاك” مواد غذائية وولوج المطعم المدرسي دون إذن مسبق، رسالة مشفرة عنوانها “خيرنا ما يديه غيرنا”؟..