أقلام الوسيط

ذ.محسن الأكرمين يكتب …إحك يا راوي …

اليوم، لن أتكلم، بل أنادي عليك أيها الراوي البعيد لتحكي حكاية عن الحياة. أناديك بكل أدوات النداء، واحك لي رواية عن الموت، ونهاية الألم، فكل واحد منَّا في قلبه حكاية متنكرة ومستكينة. يا راوي القرب، احك لنا قصصا من كلام الأزلية الفوضوية، وعن الحياة تتبعني بالتذكر، ولا أقدر ملازمتها في سرعتها المميتة، ولا حتى على مسايرتها بالتدرج، واللحاق بها بالرفق.
يا راوي احك لي بلغتي الأولى التي تعلمتها من أبي وأمي (رحمهما الله)، وبدون تناص ولا محسنات بديعية. احك لي بمطلع (حجيتك ماجيتك)، فغدا قد تسرقنا الحياة، ولا نقدر حتى على تذكر أسمائنا !!! احك (حجيتك ماجيتك)، وزد عليها أن الدنيا فانية، ولن تستطيع أية قدرة على هزم حروف الموت الصغرى.
اليوم، أقول يا قلبي جرحك طال واستطال مع نهايات حكايات (ألف ليلة وليلة) والحيوانات المتكلمة بأصوات الإنسان. يا راوي (سم الله، وصل على النبي”ص”)، واحك بلا نقصان، ولا حذف عن تلك الأحداث المريرة التي تأتي (على غفلة وعلى غفلة وما قريتش حسابها). يا راوي احك ببداية (كان يا مكان) وأفرغ قلوبنا الممتلئة حزنا ( راه في كل قلب توجد فيه حكاية حزن…) تفوق طولا ألف ليلة ولية الأميرية. احك أيها الراوي الأبكم الأصم على زمان مولد الأمل، و تفتح النبتة الصغيرة بالرعاية في الحضن والعاطفة، وقل إنها الفرحة كانت في (كان يا ما كان…) .
يا راوي الصمت بتوارد الأيام ، احك بحنين الكبار عن الطير (لي عمرو ما طار… وحين تحسس جناحيه كانت صدمة القوية…) . احك يا راوي الحكي بمطلع (حجيتك مجيتك) فقد تستفيق الحكايات بكاء دامعا، وبلا حدود الأمكنة والأزمنة. يا راوي الحاضر المرتبك، احك و(خليني نسمع، وقل (كان يا ما كان….) عن الذي سُقيَ من دم الحياة، ولكن الصحراء البعيدة (سرقاتو مني… وعلى غفلة…)، وفي فصل الربيع (زرعاتو).
يا أيها الراوي الغافل عمَّا يخالج القلوب الدفينة في الكتمان، احك عن أيام زمان والأمكنة، فقلبي (شاعل) نار عن الماضي (لي طار)، وما (قدرتش نشوفوا). يا راوي اسمع مني قول اليقين، فحين أحب أن أبكي أتذكر، وحين أتيه في التفكير أتوسد التراب ، وأردد (شحال من كتاب قريتوا…) . احك باختصار عن اليوم الذي يحملني الألم، وهم الحياة ، ويطوحني أرضا، واستماعا لأنين ما تحت التراب.
اليوم، يا راوي متلازمة الحب والألم، احك لنا (عن لي فات، ومشى…) وبقي ملمح الصورة حاضرا بتمام البسمة الفرحة، عندها لن أصمت أيها الراوي الكئيب عن البكاء، وأجيب بما بقي في القلب عالقا من الكمات، وبما بقى في العين مصورا مثل الشمس التي تغرب في الصباح شرقا… وسأقول لك أيها الراوي إني (عايش في الأحلام)، ومرات عديدة أكتب سطر ذكريات بالعين التي تجري دمعا.
احك يا راوي ، فحين أحب الضوء أشعل نار شمعة مزار، وحين أحب أن أبكي أتفكر وأنا جاثيا بجانب القبور…عندما أحب مرأى الذكريات، أعيد قراءة الكتاب في صفحته الأولى بالتقليب عن المواجع، و عن الفرح الطفولي. احك يا راوي، أنه يسكن بعيدا عني …. ( وراه باقي ينعش مخيلة الأحلام). احك يا راوي، ولا تطنب في القول (وقل لي بأن قلبك معمر… ولم يعد لك متسعا أن تزيد من هم الحياة متسعا…).
احك يا راوي الذكريات ، وقل لي (مرة مرة ، ابك على زهرك…)، قد تجد راحة (عن لي مشى وخلاك…). احك يا من يعرفني بلا مرآة وقل لي ( أن مرآة سماءك تحمل ضباب العالم). احك وقل لي ( ستبقى دائما تبكي، وتصبر للعذاب… ). احك لي عن النهاية، وقل لي ( راه باين قلبك معمر… ) ففيما بتت تفكر الآن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى