ذ.يوسف اسونا يكتب للوسيط … الثقافات المغاربية في الألفية الثالثة و دورها في التحديات المعاصرة .
يمكن الجزم أن العالم المعاصر منذ مطلع التسعينات، طبعته مجموعة من التغيرات المتسارعة في كل الجوانب الثقافية والاجتماعية..الخ بفضل الطفرة التكنولوجية والتقنية التي شهدها والتي تندرج بدورها في إطار العولمة، هذه الأخيرة، شكلت مفهوما أثار جدلا كبيرا على المستوى الدولي، تعددت تعاريفها بتعدد الزوايا التي تُدرس منها ،ولعل أهم تعريف لها، نذكر تعريف عبد المنعم الحنفي بقوله :«العولمة هي رسملة العالم،وتتم السيطرة عليه في ظل عامية المركز وسيادة نظام العالم الواحد، وبذلك تتهاوى الدول القومية وتضعف فكرة السيادة الوطنية وسيطرة الثقافة العالمية » _معجم الشامل في المصطلحات الفلسفية.
تأخذ العولمة عدة أبعاد أهمها البعد الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي ولكل هذه الأبعاد خصائص وتأثيرات على المجتمع.
فماهي معالم التغيرات التي لحقت بالمجتمع ؟
وماهي آثار هذه التغييرات على منظومة القيم الاجتماعية لدول المغرب الكبير؟ وكيف يمكن التخفيف من حدة هذه التأثيرات؟
لاشك أن التقدم الذي يشهده العالم الرقمي وليد العولمة، له إيجابيات ومزايا كإلغاء المسافات بين الدول وتقصيرها، مما حول العالم الى أشبه بقرية إلكترونية صغيرة، يسهل خلالها الاتصال والتواصل بين المجتمعات عبر شبكات الأنترنيت وأجهزة البث الإذاعي والتلفزي، كما يساهم في مشاعية المعرفة، اذ أصبحت المعلومات متوفرة في كل وقت وحين ويسهل الحصول عليها.
ولهذا التقدم تأثير على سوق الشغل عبر توفير فرص الشغل وتوسيع آفاق التجارة لتظهر التجارة الإلكترونية التي تساعد في تطوير أساليب العيش لدى المواطنين وتولد وظائف أفضل وأكثر إنتاجية للجميع و أفضل مثال لذلك شركة Amazon التي استطاعت أن توفر أكثر من أربعة ملايين منصب شغل للمواطنين في كل أركان العالم، ولهذا نستخلص أن هذا التقدم له ٱنعكاس إيجابي كمحاربة البطالة وأشكال الفقر.
إلا أن هذا التقدم التكنولوجي الذي جلبته العولمة، يتسم ببعض السلبيات لابد من الإضاءة عليها كتقسيم العالم إلى قسمين :عالم متقدم ،يمتلك أسس ٱقتصاديات العالم ويتحكم في مصير الشعوب، وعالم نامي يُعْرَف أيضا بالعالم الثالت، يعيش دائما تبعية دائمة وٱلتحاقية للعالم الأول، هذا الأخير يتحكم في ثروات الثاني ويتصرف فيها فما يخدم مصالحه.
هذه التبعية التي يعيشها عالم الدول النامية ،لاتقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تتوسع وتتعولم إلى أن تشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية، فشعوب الدول المغاربية تقلد العالم الغربي في جميع الممارسات اليومية بكل مايكتنفها من سلوكات وأفكار ومعايير وقيم ،نأخذ على سبيل المثال اللغة الأم، التي تعتبر بمثابة روح لجماعة معينة ،فاللغة أصبحت تتغرب وتتلاشى وتتهمش لتحل محلها اللغة الإنجليزية، هذه الأخيرة تعتبر بمثابة حصان طروادة يمهد للهيمنة الأميركية لكي تفرض أجندتها على باقي الدول مما يلغي الخصوصية اللغوية لجماعة معينة، وبالتالي تحويله إلى شعب تائه يسهل ٱحتواءه داخل إطار كوني واحد يتماشى مع مصالح القوى الدولية ، إضافة إلى تقليد في أنماط السلوك في المأكل والمشرب والملبس والمسكن وكل الممارسات اليومية، أفضل نموذج هو اللباس، فمثلا داخل المغرب، أصبح اللباس التقليدي المغربي الأصيل كالبرنس والجلابة والقفطان، لباس مناسباتي وشبه منسي لدى بعض الطبقات ،ليحل محله اللباس الغربي بجميع ماركاته..الخ.
والمثير للاستياء، أن التبعية ٱنتقلت لتشمل مجال الطبخ، حيث غدت أيضا الأكلات المغربية التقليدية مثل الكسكس والطاجين، أكلات موسيمية ومناسباتية، وحلت محلها الأكلات الغربية الماكدونالزية والطاكوسية والبيبسية، فبدل أن يجتمع أفراد الأسرة المغاربية على مائدة الطعام ويتناولون وجبة مغربية أصيلة كالطاجين أو الكسكس، يفضلون أن يستفرد كل فرد من أفراد الأسرة بطبق طاكوس أو وجبة ماكدونالدز داخل غرفته منعزلا عن العالم الأسري، ومرتبطا بالعالم الإفتراضي وليد تكنولوجيا العولمة.
والمثير الدهشة أن التبعية ٱنتقلت بشعوب المغرب الكبير إلى تقليد الغرب في الاعياد المسيحية ،فالمغاربيون يحتفلون بعيد ميلاد المسيح مايعرف بالسنة الميلادية ويشترون أشجار Sapin التي تعلق فيها الأضواء الزخرفية وكذلك الاجراس ويغنون أغاني السنة الميلادية كما يحتفلون قبلها بما يسمى Halloween عيد يتم فيه لبس الأقنعة ووضع الرسومات على الأوجه ..الخ هكذا غدت الأعياد الغربية ٱحتفالية لدى المسلمين .
وننتقل إلى المجال الفني، أصبحت الأغنية المغربية التقليدية من الطراز القديم بسبب ٱحتلال الاغاني الغربية مكانة كبيرة داخل الساحة الفنية في كل المجتمعات والشعوب، وأقبلت شرائح المجتمع على سماعها والتأثر بها لأنها ٱستغلت مبدأ إلغاء الحواجز بين الأسواق وتكنولوجيا المعلوميات و تراجع الأغنية الأصيلة.
هذه التبعية التي تعيشها دول العالم النامي، سببها تكريس الفوارق الطبقية بين العالم المتقدم والعالم النامي، وهذه الهوة أدت إلى خلق إحساس بالدونية والغلبة لدى المجتمعات النامية، ولم ترى إلا التقليد سبيلا لإلتحاق بالعالم المتقدم فالمغلوب مولع دائما بتقليد الغالب حتى ولو كان تقليد للمساوئ والمتناقضات والسطحيات، هذه التبعية سواء على المستوى الثقافي تؤدي الى خنق ثقافة الشعوب وجعلها مجرد فولكلور وبالتالي تكرس الفراغ الفكري والقيمي والثقافي بسبب إملاء سياسة ثقافية نتائجها مفجعة على النسيج الثقافي والهوياتي.
من خلال الأمثلة التي ذكرنا قبل، يتضح أن المجتمع النامي الذي يقع تحت وطأة العولمة يقلد العالم المتقدم في شتى الممارسات اليومية إلى درجة الذوبان فيه مما يبعدهم عن مبادئ ومعايير ثقافتهم الأصلية، في إطار التبعية و التقليد الأعمى الألي المجرد من الوعي والشعور.
تكنولوجيا العولمة، بإزالتها الحواجز والحدود بين مختلف الشعوب، وتذويبها في وعاء متجانس يولد ثقافة أحادية وذهنية أحادية، فهي تمارس بآلياتها عنف رمزي وعدائي ضد الهوية المحلية لمجتمع معين، وٱختراق ثقافي يؤديان الى ٱختلال التوازن الأخلاقي والمعرفي وإلى جعلهامجرد فولكلور وبالتالي تكرس الفراغ الفكري والقيمي والثقافي بسبب إملاء سياسة ثقافية نتائجها مفجعة على النسيج الثقافي والهوياتي.
والمثير للدهشة، أن العولمة وماتمارسه من ٱعتداء ضد الهوية المحلية لجماعة معينة، تُغلفه بذريعة التحديث والانفتاح، فماتمارسه العولمة حاليا يتجاوز بشكل كبير قيم الانفتاح والتحديث، ما تمارسه حقيقة هو طمس للهويات الثقافية وتذويب الرموز والعادات والتقاليد التي تعتبر خصوصية فردية خاصة لكل مجتمع. في الحقيقة، ما أحوجنا إلى ترسيخ ثقافة الانفتاح على الأخر والتحديث، لكن دون الوصول الى درجة الذوبان والتبعية، كما قال الناشط الهندي المهاتما غاندي :« علي أن أفتح نوافذ نافذتي لكي أستقبل رياح الثقافات الأخرى، شريطة ألا تقتلعني من جذوري».
مايهمني في هذه الورقة هو الإدلاء برأيي المتواضع بخصوص بعض الهجمات والاعتداءات التي تتعرض لها الثقافات والهويات في مختلف أنحاء العالم من طرف العولمة وآلياتها تحت ذريعة الانفتاح والتحديث، وكل أمل أن تعمل الجهات الحكومية والمنظمات والجمعيات على ضرورة التحسيس بخطورة هذه الظاهرة، وتربي لدى الأجيال الناشئة ثقافة الحفاظ على الهوية الثقافية لبلاده والافتخار بها مع ضرورة الانفتاح على الغير.