أقلام الوسيط

المشهد الإنتخابي وضرورة تكامل سلطة المثقف وسلطة السياسي .

 

بقلم ذ/الحسين بكار السباعي

محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

 

نعود بقرائنا الكرام الى فترة تاريخية شبيهة بعلاقة اليوم التي تجمع بين السياسي والمثقف، وإشكاليةالإيمان بالأفكار والأهداف ، ومدى حرص المثقف كما السياسي ، وحتى السياسي المثقف ، على الثبات على المواقف ، وليس الحرص على المواقع ، سواء كانت متطابقة مع الموقف السياسي أم متعارضة معه .

ولعل العديد من المقالات التي نشرت ولازالت تنشر وما هو متداول من تدوينات عبر وسائل التواصل أو من خرجات تعكس مواقف فئات معينة من المجتمع المغربي بغض النظر عن انتماءاتها السياسية أو مرجعياتها الفكرية وكدى مكانتها بالمشهد العام ، بمناسبة الاستعداد للإستحقاقات الإنتخابية المقبلة وما زامنها من لقاءات نظمتها أحزابنا السياسية ، ووعود حملتها خطابات رؤسائها المحترمين .

 

نعود بهذه المقدمة التي ارتأينا جعلها افتتاحية لمقالنا ولرصد واقع علاقة السياسي والمتقف و مركز السلطة في هذه الاشكالية ، إلى قضية دريفوس الشهيرة في فرنسا بين 1894 و 1906؛ حيث عرف المدافعين عن براءة النقيب اليهودي في الجيش الفرنسي والمتهم زورا بالخيانة، وعلى رأسهم إميل زولا الأديب الفرنسي المعروف “بالمثقفين ” ، في مواجهة القوميين وأعداء السامية.

وارتبط المصطلح منذ ذلك الحين بالموقف النقدي تجاه السلطة والوضع القائم. و ارتسمت على إثر ذلك صورة للمثقف في مخيلة الحالمين باعتباره قديسا لا يخوض بحر السياسة اللجي إلا في مركب الثورة ونقد السلطة.

في ورقة علمية نشرتها مجلة “تبين” الصادرة عن المركز العربي في ماي 2013 بعنوان “عن المثقف والثورة” يعرف عزمي بشارة المثقف باعتباره من يمتلك القدرة على اتخاذ مواقف استنادا إلى قاعدة معرفية تمكن من التوصل إلى أحكام قيمية ومعيارية. وهو الأمر الغائب عن اغلب ممثلي الاحزاب السياسية البعيدون عن الثقافة السياسية و الذين يتقنون فن الصراخ والشعبوية ، ولعل فهمهم في المشاركة البناءة لتدبير الشأن السياسي العام تقتصر في اعتبار السلطة عدوا وأن السياسي هو الوحيد القادر على التحدث بلسان العامة، وهنا اتوجه بالسؤال لكل ممثلي الاحزاب السياسية ، ماذا حققتم من برنامجكم الإنتخابي السابق؟؟؟

لعل الشجاعة السياسية التي يمكن أن يتملكها احد من ممثلي أحزابنا المصونة ، أن يوضح لمن منحوه ثقتهم ، نسبة تحقيق برنامجه الإنتخابي بالأرقام وعلى أرض الواقع.

 

في هذا المقال لن نتبنى موقف المثقف العضوي ، الذي يتموقع في الرفض مقابل السياسي ، كما أننا لن نقف موقف المثقف ، الذي لا يتقن العمل الفكري إلا تحت قبعة السياسي ، باعتباره مدافعا عنه ، بل سنسعى إلى طرح سؤال بسيط هو: هل يمكن القول بكون السياسي، هو انسان مثقف يجعلنا نتخذ وضع المحاورة و القبول معه لا الرفض و المواجهة له ؟

إذا كنا نتبنى موقف الثنائية المتظاهرة بين الرفض و القبول بين المثقف و السياسي فإنه يفرض علينا تحديد ماهية السياسي ، و بالتالي فإن صفات السياسي وصفات المثقف لا يمكن أن يشكلا وجهان لعملة واحدة، لأن السياسي يؤمن بأيديولوجيا يريد تنزيلها من خلال سلطته ، لذا فمن الممكن له أن يسجن أو ينفي بقوة السلطة لا بقوة الحوار، أما المثقف الذي لا يملك السلطة التنفيذية فهو لا يملك سوى الكلمة التي يواجه بها المثقف المخالف له/السياسي ، وعليه فإن هذا التباعد بين المثقف والسياسي يفرض ان تنشئ علاقة حوار بدل علاقة صراع ، وللأسف فأغلب سياسيينا ، يعتبرون المثقف عدوا لدودا يجب ابعاده، بدل أن يتقوى السياسي بالمثقف ، وتكون العلاقة بينهما تقوم على تحليل فلسفي لقضايا الإنسان في الدولة ، أكثر من كونها ارتباط شخصي يرتكز على علاقة عرقية أو قبلية أو إجتماعية ، فالرأي يبدعه المثقف ، و السياسي ينفذ هذا الرأي على الواقع ، وهذا الذي جعل الكثير من الفلاسفة يرفضون تسلم زمام السلطة.

العلاقة التي تربط المثقف بالسياسي ، كحقلين للممارسة الإجتماعية ، يعبر عنها باسم علاقة المثقف بالسلطة ، فالقول بأن علاقة المثقف بالسلطة هي علاقة صراع ، هو قول خاطئ ويتوقف على طبيعة الثقافة وطبيعة السلطة ، فالمعرفة بعد من أبعاد السلطة ، و هنا يشير”فرنسيس بيكون” بكون المعرفة هي في ذاتها سلطة ولا سلطة بغير ثقافة ، ولا ثقافة إلا وتنتسب إلى سلطة ما سائدة أو تسعى لأن تسود ، فهناك ثالوث عضوي متماسك من : ” النظام والمعرفة والسلطة “.

الإسقاط العمودي لهذا التحليل في واقعنا الحالي يوقفنا على التالي: بخروج السياسي عن عالم المثقف، وتغييب الثقافة السياسية على يد المشروع السياسي ، ان كان فعلا هناك مشروع سياسي ، إنحصر فعل الأحزاب والساسة في مجالين محددين : التطلع إلى السياسة والتنافس فيما بينهم حول الكراسي لتحقيق مصالح شخصية لا غير تحث غطاء الترافع عن المصلحة العامة .

ما يحتاجه ممثلوا أحزابنا اليوم ، ليس التبجح باشراك الشباب والمرأة في العملية الانتخابية ،بل الدفع بهم الى المراتب المتقدمة ضمن اللوائح الانتخابية، و لما لا أن تكون في التجربة السياسية المغربية إمرأة على رأس الحكومة المقبلة ، مادامت النساء قد عبرن عن كفاءتهن العالية ، في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

كما أنه على احزابنا السياسية ، العمل على التقرب من المواطن والسعي لخدمة الصالح العام ، بدل التفكير في حسم النتائج الإنتخابات المقبلة لصالح نفس الوجوه ، وكأن الوطن طائرة محجوزة المقاعد .

فكل همومهم المواطن البسيط تنحصر في التطبيب والتشغيل وضمان الحياة الكريمة ومحاربة المفسدين واللصوص من ناهبي المال العام وخيرات البلاد ، ونرى أن هذا لن يتحقق إلا بمشاركة وجوه جديدة من مثقفين وأطر وكفاءات ، برهنت على مواقفها الصادقة في محطات كثيرة ، منها من ناظل داخل أحزابنا المحترمة ومنها من يجب العمل على إستقطابه والدفع به لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام المحلي والجهوي و الوطني ، مشاركة تكون نتيجتها تكامل سلطة المثقف والسياسي و السلطة ، تكاملا عضويا بما يؤدي إلى رفاهية المجتمع وتحقيق العدل والمساواة.

وهي مهمة ليست بالعسيرة ولا باليسيرة لكنها تتطلب جهدا مستمرا وعملا دؤوبا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى