ذ.عادل بن الحبيب يكتب للوسيط … دور مواقع التواصل الإجتماعي في صناعة الرأي العام وتوجيه القرار السياسي.
نجحت مواقع التواصل الاجتماعي في منح المواطن فرصة المشاركة والتعبير عن الرأي ،والوقوف في صف الاحتجاج بشكل تلقائي بدون تشفير ايديولوجي أو سلطوي.
و بفضل آليات التواصل الاجتماعي، استطاع المواطن العودة إلى الواجهة كفاعل أساسي و ليس كزبون انتخابي، و يمكن القول أن وسائل التواصل الاجتماعي شكلت و تشكل قوة ضاغطة لصالح المواطن للإدلاء برأيه و التعبير عن موقفه، كما أنها برهنت عن إمكانياتها المتعددة و المختلفة للتأثير على الرأي العام الوطني و الدولي .
إن الثورة المعلوماتية غيرت من طرق التواصل في المجتمع، وساهمت في سقوط أنظمة حكم، وتلعب دورا محوريا في خلق الرأي العام وتوجيه القرار السياسي. ومنحت للمواطن فضاء جديدا للتعبير وطرح الآراء والنقاش. هذا الواقع الجديد فرضته ما يسميه الكاتب ماكلوهان الحتمية التكنولوجية التي أوجدت معطيات جديدة وهزت مفاهيم راسخة في صناعة الإعلام ، واستطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تكسب زخما كبيرا، وان تلعب دورا في بعض الأحيان بديلا عن الإعلام التقليدي، ولذلك أصبح يطلق عليه الإعلام البديل. إن نشوء هذا الفضاء الجديد من الحرية أسهم في التحول النوعي الذي طرأ على استخدام الشبكات الاجتماعية ، من كونها أداة للترفيه، والتواصل، إلى أداة للتنظير والتنظيم والقيادة، ثم إلى وسيلة فعالة لنقل الحدث، ومتابعة الميدان، ومصدرا أوليا لوسائل الإعلام العالمية، وأصبحنا بفضل هذه الثورة أمام إعلام جديد لا يحتاج إلى أي رأسمال، كل رأسمالك هو هاتفك النقال وكاميرا وحاسوبك الشخصي.
أصبح للفايسبوك ومواقع التواصل الإجتماعي حضورا في المغرب، كفاعل جديد بات يمتلك صوتا مسموعا ووقعا وتأثيرا لا يستهان به، يقوي ويدعم منظمات المجتمع المدني، في التأثير على صناعة القرار السياسي والإقتصادية والإجتماعية والثقافي وأضحى كمارد أزرق يرعب السياسيين ويترصد أخطاؤهم وزلاتهم ونبض الشارع الذي يعكس درجة حرارة أجواء المجتمع وبوصلة تحدد نحو أي اتجاه يسير الرأي العام.
واليوم، ونحن نعيش منذ زمن تحت وطأة العولمة المتوحشة، حيث أضحت مواقع التواصل الاجتماعي فاعلا رئيسا في لعب أدوار مؤثرة إلى درجة إحداث التغيير أو قلب الموازين سواء على مستوى السياسات العامة للدولة، أو على مستوى السياسات العمومية. فكثيرة هي الأنظمة التي سقطت عن طريق إعلانات وتدوينات فايسبوكية جعلت من الشعب لحمة واحدة في الدفاع والترافع عن قضاياه. و إذا أخذنا هذه التكتلات الافتراضية وأسقطناها على القرارات العمومية في المغرب، سنلاحظ أن الوضع متدبدب بين الفينة والأخرى، فتارة تكون لها القوة الملزمة في التغيير، وتارة أخرى يتم طمسها عن طريق الخطابات الأيدولوجية. والأمثلة كثيرة عن التلاحمات الشعبية الافتراضية والتي ترجمت إلى مظاهرات في الواقع، ،أدت الى اتخاذ مجموعة من القرارات السياسية قصد معالجة الأوضاع .كثيرة هي القرارات التي تم اتخاذها في مختلف القطاعات ليس بشكل اعتباطي و إنما نزولا عند رغبة التفاعل الكبير عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، والأمثلة على ذلك كثيرة.
و من خلال ما سبق، وفي نظرنا أن مسألة اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي جماعة ضاغطة داخل الدولة تبقى مسألة نسبية تختلف من حالة إلى أخرى، والقول بأنها قادرة على التغيير والإصلاح قول له نصيب كبير من الصحة، لكن لابد من تأطيره وتقنينه. لأن هناك من يستخدم هذه الشبكات للتركيز على أهداف محددة، كاستهداف شخصيات معينة، والهجوم عليها وتشويه صورتها ، وربما تكون لمصالح شخصية، وهذه واحدة من سلبيات استخدام هذه الشبكات.
ومن المهم أن تكون هناك رؤية أكبر لتحليل هذا المحتوى، وعدم الاعتماد عليه كمؤشر، لأنه ربما يدفع صانع القرار لاتخاذ قرارات مبنية على تصورات غير دقيقة. خاصة أن هناك أفرادا وجهات شعرت أن تأثير المحتوى مهم، فأصبحت تستخدمه كوسيلة للوصول إلى أهدافها. وهذا الاعتقاد يدفع حتى الأفراد إلى محاولة الظهور بوجود أكبر عدد من المتابعين، فيتمادى بكل الوسائل لاستقطاب متابعين، حتى لو بوسائل غير نزيهة.
شبكات التواصل الاجتماعي نقلة نوعية في صناعة الإعلام وتبادل الأفكار في المجتمعات. لكن الاستخدام لهذه الوسائل يتباين من مجتمع إلى آخر، حسب نضوجه ومستوى التعليم ووجود قنوات ووسائل للتعبير أخرى. وما زال استخدام هذه الشبكات في مجتمعنا بعيدا عن مرحلة النضوج. وبالتالي، لا يمكن الارتهان إليها كمرجعية لقياس الرأي العام أو أرضية لاتخاذ قرار سياسي.
إن وجود الإعلام الجديد بمجمله، تطور إيجابي، وساهم في رفع مستوى حرية الرأي والتعبير حتى للإعلام التقليدي، وأعطى مساحة للتعبير لكثير من مكونات المجتمع. وكان من الممكن أن يمثل مؤشرا مهما ضمن مؤشرات أخرى لتوجهات الرأي العام، لولا أن هذا الفضاء أصبح مستباحا بشكل انتهازي، وهناك جهات ، تستخدمه كوسيلة للتشويش وخلق أجواء من التوتر والشحن في المجتمعات، ضمن وسائل الحروب الخفية.
ويظل تطوير صناعة الإعلام بشكلها العام، وإعطائها المزيد من الحرية والمرونة، مدخلا مهما لدعم الإعلام الذي يكتسب شرعيته من خلال وجوده ككيان قائم له حقوق وعليه مسؤوليات. وبالتالي، يستطيع أن يكسب اهتمام وثقة الجمهور العام. ويصبح مرجعية تمتلك مصداقية وتؤثر في صناعة القرار، بل وتعكس بدقة توجهات ورغبات الرأي العام.
إن التغيير السياسي الحقيقي لم يولد في الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي لا تمثل العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها اصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي.
مقال جدير بالقراءة
شكرا للوسيط و للصحافي المقتدر محمد الوردي