أقلام الوسيط

سوس البقرة التي لا تشرب لبنها. بقلم سدي علي ماءالعينين .

مؤكد ان الأبقار تنتج اللحوم و الألبان ولا تستهلكها، لكن للضرورة الأدبية إخترنا لمقالنا عنوان:سوس البقرة التي لا تشرب لبنها، للدلالة على ما تعيشه جهة سوس ماسة من أوضاع مقارنة مع معدل مساهمتها من الناتج الخام العام الوطني (7٪ بقيمة 64 مليار درهم).
كتب على هذه الجهة ان لا تعيش إستقرارا على مستوى المجال الذي تغطيه، فقبل الإنتهاء من اي مخطط تجد الجهة نفسها في مجال مختلف يدفعها لإعادة مخططاتها،
ففي السابق كانت تضم منطقة درعة، و اليوم الحقت بها منطقة طاطا، واقتطع منها إقليم سيدي إفني،
هذه الجهة التي كان يرأسها وزير الفلاحة الحالي عزيز اخنوش عاشت تخبطا في التقطيع جعل كل محاولات تنميتها مرتجلة،
تضم الجهة 175جماعة منها 21حضرية و 154قروية غالبيتهم متوقعة بإقليم تارودانت و اشتوكة ايت باها، وهي بذلك تشكل 12%من إجمالي الجماعات بالمغرب.
يسكن الجهة 2,7مليون نسمة وهو رقم ضعيف بالمقارنة مع مساحتها الإجمالية.
هذه المساحة حباها الله بمجالات متنوعة منها الفلاحية و السواحل البحرية.و مكنها هذا التنوع من ممارسة انشطة متعددة، ربما تكونالجهة الأولى وطنيا التي تملك هذه الميزة.
بلغة الأرقام على مستوى القطاعات فإن الصناعة التقليدية تشغل 20الف من اليد العاملة بصادرات تقدر ب 15مليون درهم،
فيما توجد بالجهة 440وحدة صناعية، و 11منطقة صناعية بصادرات تقدر ب 10,6مليار درهم ويد عاملة تصل إلى 24الف منصب شغل.
أما السياحة فللجهة حصة الأسد من عدد الأسرة التي تقارب 31الف سرير مشغلة 120 الف مشغل بناتج يصل إلى 20مليار درهم من المداخيل الجهوية.
أما الصيد البحري فيشغل 72 الف منصب شغل غير مباشر موزعة على الاسطول التقليدي 10,225اسطول، و الساحلي 465اسطول، واعالي البحار 442اسطول ،وكلها تساهم في الميزان التجاري الوطني ب 13,2مليار درهم وهو ما يعني 30%من الناتج الخام الوطني.
أما الفلاحة فترتقب تشغيل 49 الف منصب بحيث تتوفر الجهة على أكثر من خمسة ملايين هكتار صالحة للزراعة منها445مستعملة، و 159 الف مسقية وهي بذلك تمثل 9% من الناتج الخام الوطني.
وهناك قطاع لا يقل أهمية وهو قطاع التعاونيات،حيث تتوفر الجهة على 564تعاونية:(الاركان183,العسل195,الزعفران42,التمور99, اللوز17) و بها عشرة آلاف منخرط، موفرة2, 9مليون يوم عمل.
هذا على مستوى الإقتصاد، اما على مستوى التعليم فالجهة بها 976مدرسة و بالعالم القروي 624, يدرس بها589،223الف تلميذ منهم 66,274بالقطاع الخاص.
ولأن الجهة جامعية بإمتياز فبها عشر كليات، وأربع مدارس عليا خمس مراكز.
يبقى المجال الثقافي محصورا في 8متاحف و15مركزا ثقافياو معهدين يتيمين للموسيقى، و سبع مسارح ( على قد الحال!).
قد تكون هذه الأرقام متداولة ومعروفة عند المهتمين، لكن عرضها هنا الغرض منه هو مقارنتها بحجم الهشاشة التي تعرفها الجهة،
كيف لا ورغم وجود كل هذه القطاعات، و مساهمة الجهة في الناتج الخام الوطني تبقى الجهة تعاني من بطالة بنسبة10%متجاوزة المعدل الوطني(9،8٪)،محتلة بذلك المرتبة الثامنة وطنيا،(حسب سنة2018)
اما معدل الفقر حسب سنة2014فهو 5،8٪ متجاوزا المعدل الوطني 4، 8٪.
مع العلم ان عدد السكان النشيطين يصل إلى 950الف نسمة.
و من بين عشر أفقر جماعات بالمغرب توجد منها اربع جماعات بإقليم تارودانت الذي يضم89جماعة.
ويحطم الهدر المدرسي ارقامنا قياسية بالجهة ( المركز الثامن وطنيا بنسبة 6.39)
لقد عاشت الجهة مايمكن إعتبار تهميشا طال حجم إستفادتها من الدعم العمومي مقارنة مع باقي الجهات، ولازالت مع الأسف وضعيتها الإجتماعية لا تعكس حجم الإستثمارات الأقتصادية التي تعرفها.
فإذا اخدنا إقليم اكادير إداوتنان فلا زالت مناطق إداوتنان القروية تنتمي إلى العصور القديمة، حيث تعيش خصاصا في المسالك و ربط الدواوير بالماء، وضعف المؤسسات الصحية والتعليمية،
فيما منطقة الدراركة تخفي في محيط المدينة دواوير تعيش التهميش و الفقر المدقع،
اما إنزكان أيت ملول، فإن احياء الجرف و تراست و القليعة تعرف فوضى في التعمير وضعف البنية التحتية،
و اشتوكة ايت باها التي تضم مجالات متباينة، حيث منطقة ايت باها الجبلية تعاني من البطالة وصعوبة العيش رغم ان غالبية رؤوس الأموال بالبيضاء منحدرة من هذه المناطق، و تبقى الضيعات بايت عميرة بالخصوص تمثل بؤرا لكل أشكال الهشاشة و الدونية في العيش وفي ضروريات الحياة،
ومنطقة ماسة لا تقل معاناة، خاصة وان ساكنتها تاريخيا ترى نفسها غريبة عن الإقليم، و كثيرا ما تعالت أصوات ساكنتها مطالبة بالإلتحاق بتزنيت ،
تزنيت التي يئن عالمها القروي من الجفاف و من الإهمال بسبب تركيز سياسات التنمية على مدينة تزنيت، فيما الجماعات المحيطة بها تعرف شحا في الميزانيات، وتغييبا في المخططات.
طاطا حالها لم يتغير على ما كان عليه عندما كانت تابعة لجهة كلميم، فقر و تهميش، و معاناة مع الطقس الصعب و التضاريس المجحفة،
فلماذا هذه الجهة تعاني بهذه القساوة وهي المفروض فيها ان تكون بكل قطاعاتها الحيوية قلب الإقتصاد الوطني؟
عندما جاء الخطاب الملكي ليقول أن الجهة هي وسط المغرب ولابد من العناية بها بدت هذه الإلتفاتة وكأنها بصيص الأمل الذي تراهن عليه ساكنة الجهة لإنتشالها من حالة التردي الذي تعرفه،
ويمكن لما اطلق من المشاريع ان تزعزع نسبة البطالة العالية قياسا بالمعدل الوطني، وكذلك الحال لنسبة الفقر،
لكن المؤكد ان هيكلة قرى ومدن الجهة تحتاج إلى ثورة عمرانية قادرة على تصحيح إختلالاتها التي تعقد المسألة الإجتماعية، و تجعل ساكنتها تعيش في تجمعات عشوائية املتها ضروريات القرب من الضيعات والعامل،
ويمكن ان نقر ان سياسة محاربة دور الصفيح لم تكن بنظرة شمولية على مستوى الجهة، بحيث تمت إزالة الصفيح من المدن و دفع الساكنة إلى القرى المجاورة لخلق تجمعات عشوائية،
خاصة وان الدولة بشكل غريب، خلقت السكن الإقتصادي و الإجتماعي بالمدن كتعويض عن دور الصفيح، لكنها في الوقت نفسه نقلت المصانع التي توفر الشغل خارج هذه المدن!!!!
جهة سوس ماسة ،في إنتظار ان تعرف تقطيعا جديدا لا أحد يعلم خلفياته بدت وكأنها فقدت بوصلة مستقبلها،
فالحركة الثقافية فيها أصبحت مجرد مهرجانات(ازيد من ثلاثين مهرجان كبير)، فيما منتوجها الثقافي في مجالات النقد و الأدب و الشعر و القصة والمسرح… في تراجع، مع تسجيل محاولات المنتسبين إلى الجامعة إخراج إصدارات سنوية تحارب البياض على مدار السنة.
وأمام هذا الحجم من المهرجانات لازالت الجهة لا تتوفر سوى على معهدين موسيقيين، في وقت يعيش فيه رواد الأغنية الامازيغية من الروايس فقرا وعوزا و تجاهلا، حتى أن اعلام هذا الفن يموتون في صمت آخدين معهم ذاكرة زاخرة بالإبداع.
ولا يجب أن تغرينا أرقام عدد التعاونيات التي تستقطب في غالبيتها نساء مغلوب على امرهن يستغلن في تجارة عالمية لمنتوجات تشكل خصوصية دولية وطنية يكثر عليها الطلب على حساب معاناة نساء الجهة.
كثيرة هي صور المعاناة التي لا يتسع لها هذا المقال، لكن ما هو مؤكد ان جائحة كورونا جاءت معاكسة لبصيص الأمل الذي اطلقته المبادرة الملكية ،ومن المرتب بسبب توقف القطاع السياحي ، واستمرار سنوات الجفاف، و ضعف الفرشة المائية، و المنافسة غير الشريفة لمنتجات الصناعة التقليدية، من المنتظر ان تعيش الجهة أزمة اقتصادية حادة ستنعكس لا محالة على الجانب الإجتماعي، مما ستحتاج معه الدولة لإعادة حساباتها ووضع استراتيجية استعجالية لإنقاد وسط المغرب.
فهل تعتبرون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى