أقلام الوسيط

التدريس باللغات بين صناع الفرجة وصناع القرار

بقلم ذة. مريم زينون

إذا كان إصلاح التعليم يروم تحقيق مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص فلابد بحكم الأمر الواقع تجاوز المواقف المتحجرة حول لغة التدريس التي لازالت بعد إخفاقات متكررة في الإصلاح تثير ردود أفعال سلبية من بعض الديماغوجيين من بين النخب السياسية ، والذين هم في الوقت ذاته من أنصار التعليم باللغات الأجنبية بالمدارس الخصوصية والبعثات الأجنبية حينما يتعلق الأمر بأبنائهم ، رغم أن تدني مستوى المنظومة التربوية بالمغرب ارتفعت مؤشراته منذ دخولها مرحلة التعريب بحجة ربط اللغة بالدين علما أن التقدم الحضاري لأي أمة مرتبط بالتقدم العلمي الشيء الذي لا ينفيه الدين ولم يتعارض معه ،بل إن ترسيخ الإسلام قائم على الانفتاح على الحضارات الأخرى وذلك لن يحدث دون التمكن من لغات البحث والابتكار لتكييف الخطاب الديني مع التقدم الحداثي.

صحيح أن القرآن نزل عربيا بلغة عربية ولكن ليخاطب جميع الأمم والأطياف العقائدية باختلاف ألوانها وتوجهاتها باعتباره يرسخ ثقافة التسامح والانفتاح على الآخر فبالتالي التعلم أو التدريس باللغات الأجنبية لن يفقد أي فرد مسلم هويته الإسلامية بقدر ما يحصنها من الانغلاق والعصبية الدينية أو القومية ، وكثيرة هي الأمثلة المقنعة داخل الحاضر عن تراجع مجتمع المعرفة ببلدنا المغرب منذ تعريب التعليم وإغلاق أفق التقدم العلمي والابتكار التكنولوجي بسبب السكيزوفرينيا التي بات يعيشها المتعلمين بين مرحلة الدراسة الثانوية ومرحلة التعليم العالي حيث ترتفع نسب التسرب والتعثر نتيجة حالة التضاد في لغات التدريس للمواد العلمية بين المرحلتين، ازدواجية متناقضة ومتضادة  ، دون تصور للمستقبل ، تحول الرغبات إلى عقبات فتؤجج خطاب الكراهية اتجاه الدولة وصناع القرار.

في حين أن الفرجة هي من تدبير من يطمحون إلى تغليط الرأي العام بأية وسيلة بحجة الحفاظ على أصولية الدولة بعدم التدريس بأي لغة أجنبية غير العربية، هذا الخطاب لم يعد ينطلي على أحد بعد تجربة الشقيقة الجزائر حينما وقعت في فخ اللعبة الإسلاموية في محاولة زرع الأصولية الوهابية والتي كان مآلها وضع مأساوي لاإنساني بسبب الحرب الأهلية التي دفعت الجزائر ثمنها لسنوات ..وها نحن اليوم نعود لنفس الإشكالية التي أخفقت من قبل في تدبيرها الجزائر، ولا يمكن بالمنطق السليم تصور تقدم صناعي وتكنولوجي في ظل الحداثة والتحديث دون استشراف تطور علمي بالصورة التي ترقى إلى مواكبة العالم في تحولاته الفكرية والتكنولوجية ولئن كان من المؤسف القول أن السجالات القائمة حول تدريس العلوم باللغات لاطائل من إثارتها ما دامت صادرة عن إيديولوجيات ساذجة ولا يمكن أن تصدر إلا عمن له وازع في إحباط مستقبل بلد من خلال كبح طموح أبناء سيعظمون من شأنه بقدر ما أتيح لهم من العدل والإنصاف ..

 

                              تحية للصحفي يوسف شميرو الذي كان له حدس إثارة إشكالية

                              التدريس باللغات في علاقتها بالإصلاح في أبريل 2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى