أقلام الوسيط

الشيطان والشعب :بقلم الدكتور -عز الدين بوالنيت-

 

تقول حكمة الأولين أن الشيطان لا يحتاج، من أجل غواية البشر إلى أكثر من أن يزين لهم عملهم مهما كان هذا العمل؛ حتى ولو كان من أوكد أعمال التقوى. هو لا يأمر المتقين بأن يكفوا عن تقواهم، بل يكتفي في الغالب بأن يحثهم على المزيد من التقوى… وهذا وحده يكون كفيلا بتحويل أعمالهم إلى أعمال جحيمية خالصة.

ما حصل بالأمس يبدو أنه عينة من هذا العمل الشيطاني المتلبس بالورع والتقوى؛ عمل جعل الذين انخرطوا فيه، بوعي وإصرار أو باندفاع تلقائي، يتحولون دون أن ينتبهوا إلى جند للشيطان.

صبيانيات الأمس لم تكن عملا موجها ضد الدولة، كما اعتقد بعض ممن خططوا له، بل كانت بكل صفاقة، أفعالا ضد الوطن وضد الأمة وضد الدين وضد الإنسانية. هذا كل ما في الأمر.

ما الذي جرى؟

بكل اختصار، انفجرت في وجوهنا جميعا حصيلة سنوات طويلة من الإصرار على تجهيل الناس، وإبقائهم بعيدين عن كل تفكير منظم نقدي مسؤول. ما جرى وسيجري، دون شك في محطات أخرى، هو حصيلة عقود من الهزال في الإعلام العمومي والفصل المتعسف بين التعليم والتثقيف، والإصرار على تغذية خطاب التواكل والسلبية. هي حصيلة فقر الدم السياسي المزمن الذي يعاني منه نقاشنا العمومي، ويترجمه الكسل الفكري ومعاداة العلم والمعرفة، والخوف من المجهول والهلع من المغامرة الفكرية والاقتصادية والسياسية.

في القرن الرابع عشر الميلادي، عندما اجتاحت الأوبئة الفتاكة العالم المسيحي، فهم المؤمنون المسيحيون بالتدريج، وبعد أن أدوا ثمنا باهضا من أرواحهم أن كل ادعاءات الكنيسة وتعاويذها لم تنقذهم ولم تنفعهم؛ وكانت بداية انتصار العلم على الخرافة على نحو حاسم. هل تلزمنا أعداد مماثلة من الضحايا الأبرياء كي يفهم تجار الدين أنهم في الواقع يتجهون إلى التضحية بالدين والإيمان على محراب المزايدة بالجهل والكسل السياسي؟ هل نحتاج آلاف الضحايا كي يفهم المتوهمون أنهم في الحقيقة من جند الشيطان لا من جند الله، وأن الله لا يحتاج يقينا إلى صفاقتهم كي يرضى عن عباده المتقين حق التقوى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى