أقلام الوسيط

الإعلام الإلكتروني وفوضى الحرية

 

لقد شكل الوعي بأهمية دور الإعلام في تكريس حرية التعبير علاقة جدلية بين ما هو حقوقي وقانوني حيث باتت الدعوة إلى تحرير الفكر السبيل الأوحد لمناشدة التحرر من كل آثار التخلف والتوجه نحو المعاصرة والإصلاح ونهج الديمقراطية، وقد لا نجانب الصواب إن قلنا أن حرية التعبير تشكل روح الديمقراطية التي صارت تخترق كيان المجتمع المغربي الذي بدأ يتفاعل معها لأنها ببساطة هي المدرسة المرجعية لممارسة المواطنة الصادقة، ومن هذا المنطلق بدأنا نلاحظ ظاهرة الإعلام الإلكتروني تنتعش باسم دمقرطة الحق في التعبير حفظا لحقوق التمدن والعيش الكريم، لكن الطامة الكبرى التي ما وراءها إلا عاقبة الخراب الاجتماعي هو ظهور نزعات هجومية على بعض المواقع الإعلامية لأجل التعرض لأعراض أشخاص أو التنقيص من بعض القامات الفكرية أو تكريس سياسة النقد الهادم بغض النظر عن خطابات شد الحبل التي تؤجج خطاب الكراهية، الأمر الذي يتعارض مع تواجد ثقافة إعلامية منفتحة على الآخر في إطار التعدد واختلاف الرؤى والأطروحات النظرية والأيديولوجية التي تؤسس للإعلام النزيه والفكر الثقافي الحر، لذلك أمكن القول أن العلاقة بين الإعلام وحقوق الإنسان هي علاقة جدلية لا تفصل بين الحق في التعبير والحق في الكرامة بحيث لا يجب أن تكون حرية التعبير قائمة على العدوان والإضرار بوجودية الآخر وتجريده من كرامته، ولاشك أن فوضى الحرية التي طالت بعض مواقع الإعلام الإلكتروني رغم الدور الكبير الذي باتت تلعبه في انتشار المعلومة واتساع رقعة التواصل الاجتماعي، جعلت منها سببا في تخلي وانسحاب أقلام نزيهة وأعلام فكرية عن الساحة الإعلامية لكونها لا تروق لها جوانب معينة في أساليب التعاطي مع المعلومة وطريقة تسويقها وفقا لقواعد الكتابة الإعلامية واحترام أذواق قراءها أو بالأحرى -إن صح القول بصراحة – أن المطامع الساعية إلى تحقيق الهيمنة داخل الساحة الإعلامية واتساع قاعدة القراء على حساب الجودة والمصداقية حول رواد الإعلام الإلكتروني بفعل الخيارات المختلفة في ترجمة الحرية في التعبير إلى منتصر وخاسر بسبب العلاقة الندية التي تستهدف أسلوب القدح والهدم عوض التحليل والنقد لبناء نمط من التصور يمكن من حل المشاكل المطروحة على أساس التفكير فيها وإعادة تقييمها.

ومجمل القول أن مفهوم الحرية في التعاطي مع مواقع الإعلام الإلكتروني أخذ بعدا عدوانيا خارج الضوابط القانونية فأصبحت أقرب ما تكون إلى فوضى إعلامية لا تخدم إلا مصلحة ذاتية مغرضة عكس ما تعتبره فلسفة التمدن بأن الحرية الإيجابية هي التي تخدم المجتمع بحتمية خضوعها لضوابط وقانون ينظمها، حرية فكرية مسؤولة توفر أرضية للتمحيص والتحليل وبناء الحلول بهدف الرفع من مستوى التمدن والإنتاجية المجتمعية. يجب ألا يكون الهدف المحتمل لحرية الإعلام الإلكتروني إذكاء شعلة ثقافة الهدم فقط لأنها حق يراد به باطل لأن هذا التصور الوهمي للحرية كما يراه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر لا يكون له تأثير إلا في زيادة فرص الرجعية، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الفكرة السالفة تعكس طبيعة الربط الذي يمكن أن يقيمه الإعلام الإلكتروني كنموذج للتقدم التكنولوجي وتقنين الحرية كأسلوب في الارتقاء بالمجتمع المدني.

صحيح أن الإعلام الإلكتروني من شأنه تكريس منظومة الحق في التعبير والحرية الفكرية بهدف تأهيل المواطن كسلطة رابعة إلا أن معالجته لمفهوم حرية الرأي لا زالت تطغى عليها خطب الهيمنة وضرب المصلحة الاجتماعية للأفراد على حد قول عميد الصحافة المغربية المرحوم مصطفى العلوي في كتابه صحافي وثلاثة ملوك  “الصحافة كانت لتخلد مواقف .. وتبليغ رسالة ولم تكن أداة للكسب…”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى