أقلام الوسيط

سعد الدين العثماني .. الطب النفسي والسياسة داخل الحكومة أي تأطير للسلوك الاجتماعي الإيجابي للمواطنين؟

بقلم ذة:مريم زينون
من التحديات الرئيسية التي تواجه معظم العاملين في مجال الصحة النفسية تزويد مرضاهم بالطاقة الإيجابية التي تمكنهم من مناعة نفسية مقاومة لكل اضطرابات صحتهم النفسية ومواجهة ظروف الأزمة المرضية أو الصدمة النفسية التي يمرون منها بأقل الأضرار الصحية والاجتماعية، لكونهم يفقدون التركيز على ما يمكن تسميته ببهجة الحياة بسبب إحساسهم بالاغتراب الاجتماعي أثناء الأزمة النفسية أو الضياع الوجودي. وإذا ما أدمجنا هذين العنصرين الأخيرين في أزمة الجائحة الوبائية لكوفيد 19 في علاقتها بالحجر الصحي وما ينتج عنه من اختلالات في التوازن النفسي الاجتماعي للمواطنين وفقا للقوانين الاحترازية وشدة الضغوط الوقائية التي فرضتها ظروف الجائحة، يمكن القول أن المناخ النفسي العام في المغرب خاصة وفي العالم بأكمله أصبح ذو طابع تشاؤمي ظلامي أثر على كل مكامن القوة الوجودية الإيجابية التي تجعل الحياة بالنسبة للأفراد جديرة بأن تعاش. لذلك وبنفس المنطق الذي يشخص به الأخصائي كل تمفصلات الصحة النفسية للأفراد وجب على رئيس الحكومة المغربية باعتباره رجل اختصاص وسياسي الدمج بين مسارين في تدبير الشأن العام الوطني في زمن الجائحة وتجاوز الصيغة التقليدية في تنفيذ قرارات السياسة العامة حيث لوحظ تغييب تام لاستراتيجية التأطير النفسي الإيجابي المجتمعي والتأطير الفينومينولوجي لما يصح تسميته بالتأطير الظاهرياتي، على اعتبار أن أزمة الجائحة هي عامة وقد تفرز سلوكيات سلبية مصاحبة لحالة الاستياء والغضب والقلق الحاد. صحيح أن الحكومة استخدمت استراتيجيات مهمة في التخطيط للقرارات الفضلى المرتبطة بالأمن الإنساني بكثير من الاستبصار والممارسات الجديدة التي أذهلت العالم لكن غاب عنها تعبئة الإمكانيات الشخصية الدائمة للمواطنين التي تدفع بدورها إلى التحول الشخصي لخلق الجاهزية لديهم في تزايد المساندة الاجتماعية والإنتاجية العلمية وتقديم الخبرات في حل المشكلات المرتبطة بتداعيات الحجر الصحي، هذا ويجدر الذكر على أن عملية رفع الحجر بالتدرج لم تواكبها بالموازاة استراتيجية وقائية لإعادة الانسجام الاجتماعي لكونه يؤسس للتقارب الاجتماعي كعامل مهم لصالح التسامح الديني والمدني، كما أنه يؤسس أيضا لوجود اجتماعي إيجابي يخلو من العدائية والانتقام وهو الشيء الذي يبدو جليا في بعض السلوكيات الاجتماعية السلبية ذات علاقة سلبية بين نوعية المساندة الاجتماعية المقدمة للمواطنين وكميتها، وأسلوب الضغط السلبي للقرارات المتسارعة والمباغتة أحيانا إن لم نقل استعجالية، فضلا عن المقارنة بين التأثيرات الازدواجية لقرارات رفع الحجر الكلي وإعادته جزئيا في سياق تناقضي برفعه اقتصاديا وإعادته اجتماعيا خصوصا في ظرفية متزامنة مع مرتكز ديني يستوجب التعاطف الانفعالي وذاك ما ترجمته ردود أفعال بعض المواطنين المتمثلة على سبيل المثال لا الحصر في السرقة الجماعية لأضاحي العيد قسرا من مالكيها، والتي تصنف كخلل سلوكي ضمن صيغ الاضطرابات النفسية التي تتطلب التدخل على مستويات عدة : تنموي، وقائي وعلاجي. فلو أن رئيس الحكومة الطبيب والسياسي بادر مجتهدا بحكم تخصصه المهني ومسؤوليته السياسية إلى- في ما يصح تسميته بالإرادة الحرة والمسؤولية الشخصية- رسم استراتيجية الإرشاد النفسي كمدخل لربط دواعي الحجر الصحي إيجابيا بالمقبولية الاجتماعية كاستراتيجية وقائية من التورط في ظواهر سيكو- سوسيولوجية سلبية واستبدالها بأخرى حيادية إن لم تكن إيجابية اتجاه الذات و الآخرين، لتمكن المجتمع المدني من السيطرة الجماعية على الحالة المشتركة لليأس والانفعال بإقامة حصانة نفسية جماعية تظل تابعة لقدرتهم على السيطرة الجماعية في ظل إقامة ديمقراطية اجتماعية.. صحيح أن التغيرات التي حدثت في حياة الناس بفضل حالة الطوارئ والتجربة المقلقة لعبت دورا أساسيا في إعادة التفكير في منهج حياتهم ومنحهم الحكمة والقوة للاستفادة من بعضهم البعض، لكن هذا لا يمنع من الاعتراف أن استعادة الحياة الشخصية والمهنية وفق مبادئ صون كرامة الإنسان كانت شاقة نفسيا واجتماعيا لأغلب الفئات المتضررة من السياسات العامة لتنتج عنها ظواهر نفسية شاذة كالانتحار وأخرى اجتماعية كالسرقة والنهب الجماعي…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى