الطفل ريان يخرج الشعوب من عقيدتها الانعزالية إلى وعي إنساني جماعي
بقلم ذة: مريم زينون
شاع، قبل سنوات، في العالم بأسره خطاب الحداثة والتواصل التكنولوجي الذي لم يفهم منه إلا جوانبه السلبية في تسويق شعارات التطرف والإرهاب والثورة على القيم. خطاب استشرت معه ثقافة الغواية بالتمرد على الأخلاق والتنطع بألقاب الرذيلة ،وبكل بساطة اعترى العالم العربي الإسلامي على وجه الخصوص والعالم بأسره عموما فتن وضروب من المحن تمكنت وسائل التكنولوجيا من تسليط الضوء عليها كانحرافات فكرية وعقائدية خطيرة جعلت الشعوب كلها شبه مهددة في هويتها ،بل أصبحت تغرف من سجل ديماغوجي واحد اسمه الإٍرهاب النفسي، أدخل العالم في شيزوفرنيا كامنة باسم ما يسمى بالحداثة والتحرر وانساق وراء لعبة خطيرة عنوانها البقاء للأقوى بعد زرع خطاب التطرف الذي لا يزيد الفكر الديني في المجتمعات البشرية إلا جمودا. فلأن هناك أشياء أصبحت تبعد النفوس عن جوهرها الإنساني وتسيئ للبشرية رغم خصوصياتها الدينية وللمسلمين من حيث لا يدرون ،فلا عجب أن تجسد محنة وقوع الطفل ريان في غياهب البئر تاريخ كوني يوحد البشرية جمعاء بمختلف دياناتها السماوية ويعيدها إلى واقع عيني بعد أن وقع فعلا وحشرت فيه الأنفاس بالدعاء والتأمل الروحي والذهول أمام تصريف قضاء رباني .هذا الواقع الذي ترجمته وسائل التكنولوجيا حسب ما فرضته دواعي الظرفية الاستثنائية والإرادة الربانية إلى وقفة تاريخية غير معروفة في العمق أهي مقصودة من بني البشر الذي سخرها للتآزر والتضامن مع الفقيد ريان؟ أم هي وسيلة سببية التفت من خلالها أمم الكتب السماوية كلها في التحام إيماني بوعي جماعي إنساني؟ هذا الوعي الذي لم تستحضر فيه إلا تلك العلاقة الجدلية بين الإنسان وخالقه من خلال التأمل الروحي في كينونة الإنسان الحقيقية التي بدت هي الحقيقة الساطعة في جوهر محنة الطفل ريان ،فلا يمكن أن نزعم القول غير الإشهاد بحقيقة واحدة أن الله إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب ،وبطبيعة الحال ،فإن الحجة التي قدمتها شعوب العالم في توحيد كلمتها بالاصطفاف إلى جانب أسرة الطفل الشهيد بالانشغال عن الدنيا من خلال محنته بالتضرع الجماعي إلى الله والرجوع إليه كمصدر وجود ،منه البداية والمنتهى، لهي أقوى مؤشر على أن العلاقة السببية بين موت الطفل ريان وتعاطف أهل الديانات السماوية كلهم معه هي علاقة لقاء الإنسان بربه (..يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون) الآية 2 من سورة الرعد. تلك العلاقة التي انسلخ عنها بنو البشر مقابل التنازلات المادية في ما يهم العمل الدنيوي كمتاع وغرور وإباحة قتل النفس وانتهاك المحارم واستباحة الأعراض، أو ما قد يسمى باستمالة النفس للعودة إلى الجاهلية، مما لا نجد معه بدا في استنتاج سيكولوجي أن ظروف وملابسات حادثة وقوع الطفل ريان في البئر وإن كانت من صنع أخطاء بشرية فاجتماع البشرية حول قضيته لم يكن في جوهره استنكارا لأسباب تواجد البئر بقدر ما هو التحام روحي بسبب الزلزال العاطفي الذي أحدثته محنة مكوث ومقاومة طفولة بريئة في قاع البئر. والتي لا يمكن التعبير عنها بأية وسيلة أخرى غير الالتحام الروحي مع الله كمصدر قوة روحية وإيمانية والتضرع له بأن يضع سره في خلقه الضعيف ذو الخمس سنوات (..لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) الآية 64 سورة الأنفال.