نتائج البكالوريا ..استحقاق مدني ومطب سياسي
بقلم ذة :مريم زينون
أيا كانت القراءة التي تعطى لنتائج الدورة العادية للبكالوريا الوطنية وأيا كانت الشكوك والهلوسات حول ارتفاع نسب النجاح ،يمكن الاعتراف بأن هناك شيء مؤكد له ارتباط بجودة المعدلات هو التوافق الذي شكل الاستثناء لدى المتفوقين من حيث طبيعة المسالك العلمية ونوعيتها ، مما يستدعي التأمل في الإرادة الصادقة للرأي العام الذي كان ينتقد تراجع منظومة التعليم بإخضاعها للتعريب خصوصا بعد ثورة الجدل السياسي حول مقترح إعادة تدريس المواد العلمية بلغتها الأصلية وضرورة اعتماد اللغة الفرنسية في التدريس ، بين من يصارع من أجل الاحتفاظ بتعريب التعليم بل وتدريجه وبين من يحذر من مغبة الابتعاد عن مسايرة العولمة وتنمية العنصر البشري بالمغرب . هكذا وبضربة واحدة يأتي الرد بإرادة صادقة ليقنعنا بان محنة المواطن أشد من محنة السياسي عندما يكون القرار له ارتباط بحرية وجوده ومصير عيشه ، فرغم زخم الأحداث في شوارع المملكة والتجاذبات السياسية على منصات البرلمان في شأن لغة التدريس والإدماج الوظيفي وتغيير الإطار ورغم المفاوضات الماراثونية لشخصيات سياسية ونقابية ومهنية حول تسوية دواعي ثورة مناهضة الجهوية جاء الرد الأبلغ على مشروع استهداف المنظومة التعليمية برد لم يدرج في حسابات السياسيين ، رد له صلة بقيم المجتمع الديمقراطي ، حيث يتجند رجالات التعليم النظاميين وغير النظاميين لاستدراك الهدر الزمني للمتعلمين في سياسة استباقية لإنقاذ ما تكسر في الساحة السياسية قبل أن تتطاير شظاياه وتصيب جيلا من أبناء المواطنين فضلا عن ما يربطهم بمستقبل البلاد ..
الكثير من التأويلات تضاربت حول توحيد الإرادة بين المتجندين من الوسط التعليمي والمجتمع المدني بكونها رغبة في التميز واستجداء المناصب بالنسبة لمن حلوا لتعويض زملائهم إلا أنها لم تترجم إلا بالنتائج التي تعكس مصداقيتها سواء من حيث الإرادة الموحدة في رفع سقف السيادة الوطنية وتوجيه ضربة تحت الحزام للحكومة أو من حيث انخراط أسرة التعليم بكافة أطرها في تجاوز أزمة الشارع العام ،أو من حيث انخراط المجتمع المدني في احتواء الأزمة والدفع بالانتصار على دواعيها دون أي استجداء سياسي.. ولكن ،ما يبعث على الأمل في نتائج البكالوريا أكثر مما يبعث على عدم الرضا للمعارضين للتدريس باللغة الفرنسية هو توافق معدلات التفوق للناجحين بالمسالك العلمية خيار فرنسية بشكل متزامن مع أحداث السير النظامي للمنظومة التربوية ، مما يؤكد دون شك على استعادة المواد العلمية نفوذها حين تدرس بلغتها الأصلية ويقرن الدال فيها بالمدلول في الفهم العلمي لدى المتلقي ، إذ أنه بات بالإمكان تنزيل خطة تعميم التدريس بلغة البحث العلمي إذا ما توفرت شروط مناهج إرساء تتناسب ودمقرطة تكافؤ الفرص بين أبناء المواطنين بالمدارس العمومية ونظرائهم بمدارس البعثات الفرنسية بالمغرب تجاوزا لخطاب التصنيف والتبخيس لمصداقية المدرسة المغربية العمومية ،أو ما من شأنه تزكية الامتيازات الاجتماعية في سوق الشغل ..وبالنظر إلى الوضع العام الذي مرت به المنظومة التعليمية للموسم الدراسي 2018-2019 فيجدر الاعتراف على أن أسرة التعليم وإن كانت سببا في تراجع الوضع التعليمي كما يروج له فإنها أثبتت رغم الكثير من التأويلات أنها سببا في إنجاحه لصالح السيادة الوطنية .. والحال أن الجديد في المسالة بالنظر للوضع العام ،أنها نجحت – أي أسرة التعليم – فيما فشلت فيه النقابات بسبب صراعاتها السياسوية الداخلية ..