التعثر الدراسي ظاهرة معقدة في واقعنا التعليمي (تتمة)
يرى بورديو baurdieu من سوسيولوجيي التربية في مجلة علوم التربية عدد 1أكتوبر 1991 “أن المدرسة تساهم في دعم الأفضلية الٍاجتماعية الممنوحة لأبناء الفئات المحظوظة وهذه مسألة يمكن لمسها في كون أن جدور الاٍرث المدرسي ترجع ٍالى الأوساط الٍاجتماعية الراقية “ويمكن متابعة بعض الأطروحات المحددة للتعثر الدراسي في علاقته بالعوامل السوسيو اقتصادية ،ثقافية واجتماعية فقد حددت المدرسة هدفها الوظيفي سلفا وفق معايير ثقافية ولغوية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمقومات الثقافية السائدة داخل الفئات المحظوظة ومن ثمة يجد التوافق الدراسي تفسيره في هذا الوسط عنوانا على الٍاستمرارية والتواصل بين ثقافة المدرسة وثقافة الأسرة ، في حين يتعارض هذا المنحى مع هموم الطبقات الفقيرة أي أن الثقافة السائدة في المدرسة هي ثقافة الطبقات المحظوظة وليست ثقافة الطبقات المحرومة ومن ثمة يتبع أطفال الطبقات الأولى مسارهم التعليمي بشكل عادي لأنهم تلقوا جزءا كبيرا من الثقافة المدرسية في أوساطهم الأسرية ،في حين يتعثر أطفال الطبقات الفقيرة ويدخلون في صراع مع الثقافة المدرسية التي يفصلها عن ثقافة الأسرة هوة واسعة وهوما يوضح حسب مجلة علوم التربية عدد أكتوبر 1991 ص 14 “أن النماذج التربوية السائدة في المدرسة لا تتماشى ومضامين الوسط الاجتماعية لأبناء الفئات الشعبية المحرومة ” وفي علاقة التعثر بالٍانتماء الٍاجتماعي نسجل في بعض الدراسات التربوية أن التلميذ المتشبع بقيم ينبني عليها النسق التعليمي التربوي يكون مؤهلا نفسيا لتجاوز مراحل التعليم دون عناء بعكس التلميذ الذي يعاني من عدم تطابق القيم الأصلية وقيم المدرسة فتعارض القيم يعتبر من أهم اٍشكاليات التعثر الدراسي نظرا لأهمية القيم في دعم العمل التعليمي التربوي وتسهيل اٍمكانيات التحصيل ،وهذا يفسر لنا رفض التلميذ المنحدر من أوساط محرومة للقيم السائدة في المدرسة وعدم اهتمامه وخموله وميله اٍلى الكسل ففي نفس المرجع ص 15-16 ورد ” أن عامل الٍاستمرارية بين قيم التلميذ الأسرية والقيم المدرسية هي المسؤولة عن الفشل” لأن القيم الأسرية هي جزء من النخبة المغربية وتشكل عاملا موجها للتلميذ تتسم أحيانا بالصرامة وأحيانا بالمرونة، في حين أن القيم المدرسية هي مفروضة من خلال البعد الإيديولوجي للبرامج والمناهج والمحتويات التعليمية والطرق البيداغوجية التي يساء فهمها أو استخدامها في فعل الاٍنجاز المدرسي .اٍضافة اٍلى المفارقة بين رؤية الأسرة لمسار التعليم وغاياته وأهدافه وعلاقته بمستقبل الأبناء خاصة المهني منه وبين واقع المتمدرس فالبعض يرى في المدرسة اٍطار للتربية الخلقية والدينية والبعض الآخر يربط مضمون التعلم بالتثقيف وترسيخ مبادئ الفكر العقلي والتقني ويصبح التكوين العام والمهني موجها وحافزا للتعليم ويرتبط هذا المعطى الثقافي بالمعطى الاقتصادي ،فالٍالتحاق بالمدرسة أو عدمه والسير العادي للدراسة أو التعثر الدراسي يرتبط بالإضافة اٍلى مستوى وعي الأسرة بقدرتها المادية على تحمل أعباء تعلم أبنائها ،والوسط الٍاجتماعي الذي تنحدر منه أو محل السكن ، وغالبا ما يتأثر أبناء الطبقة الشعبية هذه العوامل ويصبح التوافق الدراسي أو اللاتوافق مرتبطا بها بشكل واضح فالفئات المحرومة تبذل تضحيات جسيمة لكي يساير أبناؤها العملية التعليمية وكثيرا ما تؤول النتيجة اٍلى الفشل والضياع والٍانقطاع عن الدراسة. إضافة اٍلى هذه العوامل سوسيو ثقافية واقتصادية فالشعور بالإحباط النفسي نتيجة معايشة التلاميذ لواقع محدود الأفق ومستقبل ضبابي من خلال مشاهداتهم اليومية لحالة المعطلين من خريجي المعاهد والجامعات فيميلون اٍلى الكسل واللامبالاة حين يشعر التلميذ بعجزه عن الاٍجابة عن سؤال محرج: لماذا أذهب اٍلى المدرسة ؟وغالبا ما ينظر إلى التعثر الدراسي كظاهرة معزولة ، ولمعالجة تدني مستوى التلاميذ مثلا يلجأ عادة اٍلى تكثيف المادة الدراسية أو تخفيضها أو إضافة بعض الحصص اٍلى البرامج الأسبوعية أو تقليصها ، وقد لا يندرج في هذه الرؤية موقع المدرس أو التلميذ أو الطرق التعليمية أو الجو المدرسي في حين أن الأمر يتطلب رؤية شمولية لتحليل المجال المدرسي بغرض تحديد الخلل ووضع استراتيجيات لتجاوزه.