أقلام الوسيط

آش واقع فالمغرب؟ المواطن عطا .. والسياسي خذا

الضجة الكبيرة التي أثيرت حول المحسنة المغربية صاحبة التبرع الخيري لبناء مؤسسة تعليمية بإقليم سطات وقبلها المحسنة المتبرعة لبناء مؤسسة للتعليم العالي بمدينة وجدة ربما ما كان لها أن تكون لولا الفراغ السياسي التنموي الذي أصبح يعرف بالارتزاق السياسي، مادام مسلسل التغيير الديمقراطي لم يتمكن بعد من تغيير مسار المشهد السياسي العام خصوصا في ظل وجود حزب أقحم الدين في مشروعية التنمية الاجتماعية كاستثناء وامتياز في السيطرة على المشهد السياسي بالمغرب بدافع إحقاق عدالة تنموية للجميع، إلا أن هذه العدالة لم تتحقق إلا داخل قيادات الحزب نفسه -دون التدقيق في ملابسات التغيير- بتعزيز صلاحياتهم في تعددية المناصب والمهام وكذا تضخم المكاسب والاستحقاقات مع المراهنة الوهمية على التغيير وفق ما تفرضه الظرفية السياسية الجديدة والحفاظ على التوازنات القائمة بين الأحزاب الأخرى ..لكن هيهات كون كان الخوخ يداوي .. !!
حزب اختار خدمة نفسه بدل خدمة الشعب –والله لا عمرو تسوق ليه– خصوصا عندما يخرج أكبر قيادي فيه بشفافية وقحة ويصرح بالعوز المادي لتبرير تسوله من مال مؤسسة تشريعية دخلها في الأول من أجل الإصلاح، الشيء الذي يعتبر من علامات إفلاس السياسة في المغرب بسبب ابتزاز المال العام رغم أنها ليست وظيفة، مع كل محاولاته البئيسة خلال المعركة الإعلامية الطاحنة التي يحاول فيها دحض الحق بالباطل. وهي ليست دائمة ولن تدوم، ليس لضعف حنكته وحكامته السياسية ولكن لأن معادلة الدين والسياسة بمنطق المقاربة الشمولية لا يمكن أن تحيل إلا على الإيثار عن النفس (الدين) ونكران الذات (السياسة) معادلة بهذه المقاربة لا تحتاج إلى حصانة برلمانية ولا مناصب مسؤولية ولا إلى حملات انتخابية، قد تحتاج بكل تأكيد إلى صوت الضمير الحي، ومسؤولية الخلق أمام خالقه وليس في الأمر أية غرابة إذا كان الإيثار عن النفس بالملايير.. فهي في الدكاكين السياسية قد تعتبر محصول شرعي نظير سلع بائرة –أصوات المواطنين- ما دامت خاضعة لمنطق الربح والخسارة فضلا عن ” أكل الغلة وسب الملة ” .. لكن في بورصة القيم الإنسانية فهي بمنطق الإحسان ابتغاء رضى الله ..أتساءل إذا ما كان حريا بنا كمواطنين طرح المقايضة كشرط للتكافل والتضامن؟ أليست المواطنتين المحسنتين أوفى لروح المواطنة والصالح العام من الزعيم السياسي الذي قدم نفسه كصوت لخدمة من لا صوت له من المستضعفين والمعوزين باسم الدين ؟
هي معجزة إنسانية خيرية تلوح بأن الوطنية نتاج للتعاضدية والتضحية لاستقرار الوطن ولن تستطيع الخرائط السياسية تجزئته فقط لأن الفيصل في ذلك لعبة حسابية في عدد الأصوات لأحزاب مجهولة المستقبل، تقدير عبثي للوطنية والمواطنة بعدما كشف الواقع السياسي بالمغرب أن من يدعون خدمته اقتطعوا منه ليصلوا به أوطانا أخرى ومن أحبوه في صمت آثروا على أنفسهم لتوطيد الصلة برحم وطنهم .. هي تلويحة يد خير من بعيد تذكر بتاريخ الإسلام في المغرب حين أقدمت أول محسنة، فاطمة الفهرية، على بناء جامعة القرويين بمدينة فاس، كأن التاريخ السياسي دائما يفضح ويعري وأحيانا يذكر، مثل الحياة والموت. والعجيب بعد الجدل القائم حول شرعية استفادة رجل الدولة السابق بنكيران من التقاعد النسبي وتبجحه الإعلامي في شرعنة إجحافه السياسي في حق المغاربة شأنه في ذلك شأن المنتمين لحزبه تظهر علينا إشارة الجوهر الأخلاقي في الإسلام وإنصافا للتاريخ وللحقيقة الدينية فالإحسان هو جوهر الإيمان في العقيدة “أحسن كما أحسن الله إليك” وإلا ستكون عقيدة مستبدة وإقصائية على غرار استفادة برلمانية من تعددية الرواتب والمهام وحرمان الأرامل من الجمع بين منحة اليتيم ومنحة برنامج تيسير.
والحصيلة أنه في أسبوع واحد تلخص مواطنة غيورة العلاقة بين الدين والسياسة في ردها على موقف القيادي السياسي العاطل عن العمل –بلغته الإعلامية– بأن المؤمنين يحفظون الود فيما بينهم بالإحسان والتكافل، فما بالنا إذا عاهدوا على العدالة وتحقيق الإنصاف كما يدعون في خطاباتهم الانتخابية متغافلين وهم المتبجحين باسم الدين قوله تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، إن الله يعلم ما تفعلون) سورة النحل 90-91.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى