أصبع وسطى ……..بقلم الدكتور عزالدين بوالنيت
أصبع وسطى
هكذا يلذ لي أن أفهم مبادرة الملك هذا اليوم، باستعمال حقه الدستوري في العفو. لطي ملف عبثي تافه المضمون كان سيثقل كاهل المسؤولين القضائيين المغاربة وهم يقابلون زملاءهم من دول العالم في مؤتمر مراكش حول العدالة والاقتصاد في الأسبوع القادم… مبادرة رفعت الحرج عن كاهل جهاز قضائي ورطته قضية مفتعلة في تبعات تمس بسمعته وجديته وطمأنينة المواطنين إليه.
أصبع وسطى بليغة المدلول .. ومما زاد من بلاغة هذا المدلول العبارات التي وردت في بلاغ وزارة العدل وهي تتحدث عن معاني “الرأفة” و”الرحمة” التي تتضمنها المبادرة الملكية، دون أن تفرِّط في المدلول الأساسي لهذا العفو: “الحفاظ على مستقبل الخطيبين للذين كانا يعتزمان تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون، رغم الخطأ الذي قد يكونان ارتكباه، والذي أدى إلى المتابعة القضائية”
شد انتباهي في هذا التفسير للقرار الملكي أمران، أعتبر أنهما ينبغي أن يُضَمّا إلى رزنامة الاجتهاد القضائي، كي يلجأ إليهما القضاة الجالسون (قضاة الحكم) كلما أحرجهم القضاة الواقفون (النيابة العامة) بملفات مماثلة، في انتظار أن يقوم المشرع بتعديل القانون الجنائي ليتلاءم مع روح العدالة في هذا الباب:
1- الأمر الأول هو أن الملك غلَّب منطق المصلحة لفائدة المتهمين على منطق المصلحة لفائدة القانون؛ وهو أمر كان يمكن أن يلجأ إليه القضاة منذ البداية؛ إذ ما الذي يضر بالمجتمع أو سيضر به من الفعل المنسوب إلى هؤلاء المتهمين، ولماذا تصر النيابة العامة ويتبعها قاضي الحكم، على الاقتصاص من أشخاص من المفترض أنهم لم يضروا إلا أنفسهم (علما بأن هذا الافتراض نفسه كانت تحوم حوله الشكوك، بعد أن فنده الدفاع، ولكن القضاة رفضوا أخذ تلك الشكوك بعين الاعتبار).
2- أما الأمر الثاني الذي شد انتباهي في صيغة البلاغ، فهو الوصف الذي وصف به الفعل المنسوب إلى المتهمين: “الخطأ”. هذا وصف ينبغي أن يفتح الباب واسعا على تكييف إيجابي لهذا النوع من الأفعال: في نهاية الأمر، كل هذه التعبئة للمؤسسة القضائية، كانت من أجل “خطأ”، وليس من أجل جريمة راسخة الأركان.
محاكمة مخجلة من أجل خطأ؟؟!!
ما الذي يحدث في البلد؟ هل كنا بحاجة إلى كل هذا التشويه لملامح العدالة، ولمعنى القانون، ولكل هذا الإصرار على تجاهل الأدلة والقرائن والبراهين، بل والتنكر لإعمال مبدأ الشك الذي ينبغي تفسيره لفائدة المتهمين، من أجل خطأ يمس شخصين يحلمان بمستقبل مشترك؟
لهذا قلت: هي أصبع وسطى وجهت لنزعة رجعية تطفو بين الفينة والأخرى في قضائنا.
هنيئا لهاجر الريسوني وخطيبها وكل المتابعين في هذه القضية باسترجاع حريتهم؛ وشكرا لانتصار الحكمة…