ذ.محسن الأكرمين: تجديد القيم وبناء القاعدة الذهبية لأخلاق العناية.
لن نتمكن من صناعة إنسان صالح بمعزل عن تحقيق صلاح الدولة . لن نتمكن من تخطيط مسبق لمرتكزات القيم، ونحن لا نحفل بدا من تطوير الأخلاق وتجديد السلوكيات الايجابية ، وبالضرورة الحتمية إيجاد تلك القواسم المشتركة بين كل الاختلافات الممكنة في أسس وأثر فلسفات الأخلاق والقيم. فالأخلاق البنائية بالتحول والتجديد، يجب أن تتجاوز صور النمطية المستهلكة بتصنيف خانات (الخير والشر)، أو تلك الموغلة في التنظير. يجب أن يكون حد الأخلاق العلوية يمثل شرح الاختلافات وبيان سبل تنقيط البياضات بمتغير المكان والزمان وتطور التقانة، وصولا حتما إلى تغطية ناجعة لكل الفراغات الناتجة عن طفرة التحولات الاجتماعية. لن نتحدث عن نسبية الأخلاق في محدودية تشكلها بالتحول دون الثبات، حتى لا نسقط ضمن زاوية مغلقة تحتسب بمرجعية كلام السفسطائيين، بل سنحاول أولا أن نتجه بالزاوية المفتوحة نحو استبيان أخلاق المعاملة والبحث عن مضادات الثنائيات (العدل/الغش)،(الجودة/ الفساد)، (الإخلاص/الخيانة)،(القداسة/ التحلُّل)، (الحرية/ الاستبداد)…إنه حقيقة بحث مضن وشاق وقد يطول في التحليل، ويحتاج إلى تفكير جماعي وبالصوت المسموع، و كذا لن نقلل من شأن منهجه التاريخي ومخرجاته التوصيفية بتحديث بناء أخلاق المستقبل وأثرها التفاعلي.
من خط الانطلاق، تبدأ السرعة المتزايدة للفوز بميدالية الأخلاق الكونية بميزة الذهب الخالص.عندها، يجب لزاما التركيز على مبدأ العقل في الاختيارات الأساس، و هندسة التفكير الاستراتيجي الذي يخلق أخلاق الإدماج الاجتماعية، و قد ينسج البدائل بمرجعية دينية بتوافر التحولات الكلية، مع لازمة عدم تناسي الهويات الفردية والمشتركة. فمن مطالب تجديد صبيب سيل الأخلاق الفضلى والمتمثلة في أصلا في أخلاق العناية الوفيرة، لا بد من منطلق تجاوز مرحلة الكسل العقلي وكساد التفكير، لا بد من صناعة أخلاقية تبحث عن أجزاء كل نقط الحلول، لا نقط حذف مجرورة من المشكلات. هنا طبعا كبة المشاكل لن نفقد رأسها الغابر عند تشكيل الأخلاق البديلة، بل سنتخلى عن تلك العواطف السلبية واليائسة سواء كانت (ذاتية أو جماعية) لأجل غزل التغيير بترتيب الأولويات، والقرب من متغير الوسط الاجتماعي، وكذا تفعيل تخليق معاملات المجتمع والدولة (المواطن الصالح / الدولة الصالحة)، نتخلى عن دواخل تفكير الصندوق المغلق ونعطي للحرية المسؤولة نطاق تحرك واقف لحكامة الحق والإنصاف، كما نمكن العقل من صناعة الفرق النوعي في تجديد رصيد الأخلاق. هنا طبعا قد يتخلص غباء الوعي من أنانيته الفردية العمودية، ويندمج أفقيا مع الوعي الاجتماعي الذكي .
من الملاحظات كثرة روافد فلسفات البحث عن الأخلاق بالتنوع والاختلاف، لكنها في مجملها تبقي البحث جاريا في منهجيات التمكين نحو عدل العيش الخيّر وحسن المعاملة للذات والآخر (الوسط الاجتماعي). في بحثنا عن مهارات حياتية والتي تستمد أصولها الأساسية من أخلاق السمو، استوقفتنا (القاعدة الذهبية) المتبادلة (قيمتك الاعتبارية من قيمتي الشخصية). قاعدة نجد دلالة سندها عند الأديان ونخص بالذكر الإسلام. قاعدة ذهبية تعلم الفرد أن (يحب لجيرانه ما يحبه لنفسه). نعم، هي قاعدة تحرم (تجرم) ظلم الجار انطلاقا من رفض ظلم الذات والنفس، قاعدة تستهدف صناعة الإنسان (الصالح) الذي يحمل مهارات التفكير النقدي (الأخلاقي)، قاعدة سليمة التركيب بتوجيه وانضباط لحل بعض المشاكل الاجتماعية ضمن مكونات الدولة (الصالحة) التي تحمي مظلة الحقوق الفردية والجماعية من الاختراق الفوضوي، وفق معايير صارمة تحارب النزعات الفردية والتسلطية (التحكم).
في رؤيتنا لمكونات القاعدة الذهبية للأخلاق قد تبدو سهلة التطبيق والنيل السريع من فيض حسناتها المرجعية، لكن في الواقع الاجتماعي نرى أن التغيير يكمن خروجا من قوة العقل والتفكير المشترك و تجويد حلم المستقبل، يكمن في التأمل والتحول انطلاقا من أن الجار (كفرد معرف) نحو المجتمع الشمولي (النكرة بالتنوع والاختلاف). تكمن في تخطي شرطية الأنانية المكتسبة من الطباع المنغلقة نحو العيش السلمي ولو باختلاف الهويات الفردية وتشكيل هوية مشتركة موحدة، بقيمة الاعتراف بتعريف (الأنا) انطلاقا من تموقع (الآخر)، تكمن في خلق دينامو الدافعية الشخصية والانفعالات الداخلية التي تتوزع بين ربح ثنائية (الخير والشر) بالخير. وحتما فالقاعدة الذهبية للأخلاق تحرك منطلق الإجابة عن أسئلة قديمة بالتجديد : من أنا ؟ ومن أكون؟ وما هو الأمن الأخلاقي الذي يجب أن يتبناه المجتمع؟ وما هي أحلام أخلاق المستقبل؟.