أقلام الوسيط

المرأة المغربية داخل التحول الديموقراطي الاجتماعي

بقلم ذة : مريم زينون
لا احد يعيش في عزلة تامة سواء أكان رجلا أم امرأة حسب ما توحي به المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمواطن، التي تسمح بالاعتراف لكل فرد بأن يكون كامل المواطنة وبأن يتصرف مثل جميع مواطني العالم، لكن عندما نتمعن في نوعية الحقوق الإنسانية نجدها تخلق مشاكل كثيرة في مفهوم المواطنة في غياب الفهم الواضح لمفهوم الإنسان المواطن وعلاقة بشروط الدولة الوطنية، خصوصا ما يلاحظ اليوم في التشدد بربط الحقوق بالمؤهلات كما هو الحال في المغرب، المواطنة تعني المساهمة في البناء، ومن لم يستشعر هذه الحقيقة الجوهرية سيظل مستقلا عن كل ما يقع حوله من تغيير ولهذا الغرض بالذات ظهرت حركات نسائية داخل نسيج المجتمع المغربي تدعو إلى الكونية والمعاصرة، فضلا عن رفع رهان التحدي إلى جانب الرجل في التشبث بالهوية الثقافية للإنسان المغربي وخصوصا النضال من اجل إعادة توزيع المراكز الاجتماعية القائمة على إعادة تنظيم الممارسات والأدوار بين المرأة والرجل في الحقوق المدنية كما هو معترف عليها في المواثيق الدولية باعتبار المرأة لا تقل عن شريكها الرجل في الإنسانية والمواطنة، مع الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد لبناء مجتمع مدني تستعيد في كنفه توازنها الاجتماعي والسياسي داخل منظومة الإنصاف والمساواة للمساهمة في تغيير الواقع والمشاركة الفعالة في بناء مغرب الحداثة والديموقراطية. صحيح أن البعض يعتبر أن مسار التحول السوسيولوجي الذي تنحى إليه المرأة المغربية هو وهم حداثي يفسر ما آل إليه وضع المرأة من عزوف عن الزواج، ارتفاع نسب الطلاق،التحرش الجنسي. لكن رغم أن هذه الحقيقة تعكس إخفاقات في مؤسسات وأنظمة التدبير السياسي فإنها لا تحدث أي تراجع في المسار النضالي للمرأة لأن تقدم الوعي لا يمكن أن يحدث تراجعا في العقيدة، فإذا كانت الحركات التشددية المعاكسة تنسب ما ينتج من إخفاقات وتراجع أخلاقي لنضالات المرأة في الحقوق ومطالبتها بالتقدمية لتبرير دعوتها – اي الحركات التشددية- إلى التشبث بالخصوصية الدينية وإلغاء باقي المرجعيات القانونية فإنه يجدر بنا التذكير أننا عندما نتحدث عن التقدمية فلا تقدم خارج الإسلام ولا أفق للتطور خارج ما رسمه الإسلام وإلا لما سجل تاريخ الإسلام في الشرق انتفاضة قاسم أمين أول قاضي شرعي أزهري بدعوته إلى تحرير المرأة من خلال نشره كتابه الشهير” تحرير المرأة ” سنة 1899. فلا يمكن أن تكون المطالبة النسائية بالتقدمية انتكاسة في العقيدة ومدخل إلى الجاهلية كما يروج لها، بل هو صراع من أجل المشروعية في توظيف الرأسمال الرمزي المتمثل في المؤهلات العلمية أو في الممارسة المهنية كيفما كانت منفعتها معنوية أو مادية ،باعتبار المرأة هي أيضا صاحبة رسالة وليست غاية للرجل. بهذا المعنى لا أحد يجرؤ على إسقاط مشروعية الإسلام عن نضال المرأة لأجل استعادة دورها القيادي على نحو متبادل مع الرجل داخل منظومة القيم العامة. ومن يفعل ذلك فهو يسدل الستار على عقله ومسؤول بالدرجة الأولى عن طرح السؤال على نفسه لماذا تزداد العوائق أمام المرأة بعد طول مسارات النضال ؟ والذين يرددون أن نضال المرأة لأجل الحرية هو نضال لأجل ممارسة الاستبداد فذاك خطاب لغوي طوباوي لا ينتج إلا الندية والتفاضلية بين المرأة والرجل علما أن انفتاح الرجل على إمكانيات المرأة خارج مأزق الفكر الذكوري يسهم في خلق واقع مجتمعي تتغير معه العلاقة بسياسة الفكر في قراءة التحولات ومواجهة التحديات، فكل ذلك يشهد عليه تاريخ المغرب الإسلامي بنماذج اصلية مثل السيدة الأولى “زينب النفزاوية” زوجة يوسف بن تاشفين والحاكمة بأمره في القرن 11م. مختصر القول فليخرج كل مناهض لنضال المرأة من قوقعته الفكرية ليستوعب أن الديموقراطية ليست مماهاة، إنها الاشتغال على الاختلاف على نحو يقوم على المشاركة والمداولة ،بل أكثر من ذلك هي ممارسة تاريخية يتحول معها الواقع وكل مجتمع له الحق في ابتكار ديموقراطيته ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى