المثقف حارس للوعي السياسي وليس وسيطا للنخبوية السياسية
بقلم : ذة مريم زينون
صحيح أن المثقف لا يكون بالضرورة أفلاطونيا ليصنع التميز الفكري ما دامت المعرفة ذاتها ليست مطلقة وقابلة للصواب والخطأ، لكن مهمته أن يكون فاعلا فكريا على المستوى الاجتماعي والسياسي يبتدع ممارسات فكرية لصناعة القيم وإنشاء روابط جديدة مع الواقع. من هنا تأتي مشروعية التمييز بين المثقف السياسي والمثقف الوهمي، بكل تأكيد المثقف السياسي دوره استراتيجي باعتبار أنه يجب أن يكون فاعلا في المجتمع ومؤثرا فيه بفكره التنويري وممارساته الموضوعية النابعة من الوضوح والشفافية، بعيدا عن الاستقلالية الذاتية والسيطرة المادية وإلا كيف نفسر دور النخبة المتميزة من المثقفين السياسيين الذين يمارسون دورهم النضالي بوضع واقع المجتمع على مشرحة النقد والتحليل؟
صحيح لم يعد بوسع هذه الفئة لعب دور القيادة الواعية أمام وجود فئة أخرى لم تعد تنتج سوى الهامشية بانتهاك الصورة الطلائعية للنخب المثقفة وتحويلها إلى صورة وهمية في عالم المال والأعمال، نعم، هو تحول من دور مثقف سياسي يوسع سجالات الجدل حول قضايا المجتمع والأمة إلى مثقف اسطوري يعمل على توسيع مجالات الاستثمار والاقتصاد، بل التعبير الأصح أن هذا النوع يضع نفسه في مأزق انتهاك صورته على أرض الممارسة المجتمعية بالإعلان عن استنفاذ مهمته كمثقف نخبوي فاعل في فضاءات الفكر في المجتمع إلى مسترزق سياسي بسلطة الثقافة والأحرى القول أنه يترجم إخفاقا في تحويل العلم إلى سلاح سياسي، خصوصا إذا كان يحمل عنوان مناصرة التقدمية والاشتراكية ومن يتعامى عن هذه الحقيقة فهو يجهل أن التقدميين والاشتراكيين يفترض فيهم كإرادة سياسية أنهم ينظرون إلى بناء المجتمع من خلال المساواة وليس من خلال التفاضلية. وتأسيسا على إيمان التقدميين بالمساواة التامة على اعتبار أنها شرط المبادئ القوية لمفهوم الاشتراكية يجدر بمن ينتسبون لها من المثقفين أن يتقيدوا في وطنيتهم الحقة بإخضاع التفكير العلمي لخدمة السياسة وزنا وقيمة ما دامت الغاية الفضلى هي تحقيق التقدم على صعيد القيم والحقوق، أما أن يحدث التعامي عن الواقع بتغيير المواقف حسب التقلبات السياسية لتحدث لديهم السياسة انقلابا في منهجية التفكير بتجاوز ضمير الشعب -خصوصا إذا كانوا مثقفين أكاديميين مدرسيين- إلى ضمير الفردانية الساعية إلى التحسن نحو المزيد من الثراء والحصانة النخبوية باستمرار التقدم نحو تراكم المكتسبات المادية والاجتماعية، فالأجدر بنا الاعتراف أن فسحة الأمل في تحرير المشهد السياسي من فلسفة التمويه السياسي لازالت حبيسة بوثقة الانتهازية وذاك ما يفسر أننا لم ننجح حتى الآن في تشكيل مجتمع مدني متصالح مع قواعده السياسية ومنفتح على جميع أنظمته المنتخبة.