أقلام الوسيط

تتويج الهند للمدرس المغربي نقطة ضوء في مصداقية المدرسة العمومية

بقلم ذة : مريم زينون

خطير أن تنقلب الاتهامات في فساد مجتمع ما إلى فساد المربي والمعلم، خصوصا عندما تنقلب المفاهيم في مجتمع أصبح يعيش الحداثة بتناقض صارخ بين الأصالة والمعاصرة، بين مناصرة لسيادة المدرسة في إعادة إنتاج مجتمع القيم وروابط الائتلاف بين سائر القوى الاجتماعية من جهة، وبين انتقاد لعجزها في تجاوز الهيمنة الايديولوجية من جهة اخرى. وفي ضوء ما يعرف بأزمة التعليم خلال السنوات الأخيرة بالمغرب تحولت الاتهامات إلى فشل المدرسة العمومية بكونها لم تعد تحقق وظيفتها في فرض الهيمنة الاجتماعية وتصدير أزمة فشلها داخل المجتمع بالتراجع عن دورها في مواكبة التحولات الحداثية التي يعرفها العالم، لقد اختلطت الانتقادات والاتهامات لتتلازم دلالتها مع مدلولها في ثقافة التمرد المجتمعي إسما وصفة مع المعلم لينهل من محنة القهر والتمرد بسبب الفجوة الحاصلة بين المدرسة والمجتمع.. وإذا خلصنا فعلا إلى أن أزمة المدرسة هي منبثقة من فشل من أوكلت إليه وظيفة التربية والتكوين فما الذي يجعل تلميذات وتلاميذ من ابناء المدرسة العمومية يرقون إلى مصاف التتويج الدولي والعالمي في أولمبياد واختراعات ومسابقات ثقافية ورياضية إن لم يكن المروج لتلك المعارف والصانع لتلك المهارات هو المعلم؟ فضلا عن كل البنيات الإدارية والتربوية ألا يستوجب فوز وتتويج معلم مغربي بميزة العالمية الاعتراف بأن كل الاستحقاقات التلاميذية داخل المنظومة التربوية في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات بضرورة إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية هي إنتاج لإرادة أطر مسعاها المساعدة في بناء دولة وطنية ديمقراطية، رغم أن ذلك لا يعني أن المدرسة العمومية في غنى عن الإصلاح الشامل وفق رؤية استراتيجية تنحى به إلى مواكبة التحولات الحداثية ؟؟ كل تلك النتائج والاستحقاقات المحصلة في سلم التحصيل الدراسي على المستوى الإشهادي أو الإعدادي تبرهن على وجود طاقات إنتاجية واسعة داخل منظومة التربية والتكوين نساء ورجالا تراهن على المشاركة في رفع تحديات الإصلاح، ولعل ما يجعل الإصلاح توافقيا بين المدرسة والمجتمع بالمعنى السياسي الاستراتيجي هو أن صناعة الهوية الوطنية تبدأ من صناعة القدوة داخل المدرسة بتحفيز المدرس في احترام تام لاستقلاليته في الإبداع في علاقة مع إعادة صياغة مضامين المقررات المدرسية وفق رؤية ديمقراطية تراعي الخصوصيات المحلية في معالجة أزمة الإحساس بالانتماء للمنظومة المدرسية منذ أطوارها الابتدائية للمساهمة في تنشئة مواطنين بوعي يطابق واقعهم الاجتماعي، مما سيسمح بإعادة تأمين انتقال السلطة الرمزية من المدرسة إلى المجتمع وضمان عدم اتساع الفجوة بينهما بالحفاظ على حبل النسب بينهما المتمثل في السلطة الروحية لقدوة المعلم وسلطة الأب .. والحال أن الرهان العالمي الذي بادرت إليه دولة الهند في التحفيز على صناعة هذه القدوة بتتويج أفضل مربي عالميا خيبت كل الشكوك حول نهاية المدرسة العمومية وجددت الثقة في أطرها ليكون فوز المدرس المغربي باللقب اعترافا عالميا على أنه رغم اختلاط القيم الحداثية في المجتمع المغربي المصاحبة للتحولات العالمية فالمدرسة المغربية العمومية لازالت خزانا لهوية وطنية قادرة على التكيف مع جميع التحديات والأزمات ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى