ثقافة وفن

أزمة جمهور أم ناشرين؟ الكتاب العربي أمام رياح القرصنة وهواجس الربح والخسارة

خلود الفلاح

يعاني الكتاب الورقي من صعوبات مادية ومن منافسة التكنولوجيا، ومع ذلك يقول بعض الناشرين العرب إن أرقام الطبعات تصل أحيانا للعشرين، بينما يشكك آخرون في هذه الأرقام ويتحدثون عن صناعة الكتاب العربي وأرقام توزيعه والتحديات أمامه.

يرى الناشر بدر السيوطي صاحب دار الدراويش للنشر في بلوفديف ببلغاريا، أن النشر الورقي ليس مغامرة، ويضيف للجزيرة نت أن المتغيرات التي حدثت في منطقتنا العربية غيرت الكثير وأحدثت فوضى بعالم الكتاب، في ظل غياب المؤسسات الثقافية الرصينة والداعمة للمشهد الثقافي بالشرق الأوسط.

في المقابل، يرى الناشر صفاء ذياب، صاحب دار شهريار للنشر في البصرة العراقية أن الناشر يجب أن يحدد أهدافه أولا، ويضرب مثلا بمن يفكّر بالربح السريع، فيتّجه إلى الكتب التجارية مضمونة البيع، وخاصة الموجهة للشباب من الذين يتابعون الفيسبوك والإنستغرام.

ويضيف ذياب للجزيرة نت، “نجد هذا غالبا في الدور الخليجية أولا، والمصرية ثانيا. ومن ثَم سيبحث عن روايات ذات عناوين فضفاضة، ليصدرها بأغلفة تثير الشباب الجديد وليس القارئ الحقيقي”.

وعلى جانب آخر -يتابع ذياب- “هناك دور اتّجهت للكتب الجادة، خصوصا الفكرية والدراسات، وهي بهذا تخاطر مخاطرة كبيرة، لأنها لا تريد الربح السريع بقدر أهمية ما تنتجه، لكنها مع هذا تخاطب شرائح أخرى، مثل الباحثين والأكاديميين والقراء الذين يبحثون عن المعرفة الحقيقية”.

وعلى خلاف السيوطي يرى ذياب أن النشر في العموم مغامرة، فأنت قادم إلى سوق فيه “كارتلات/ اتحادات احتكارية” كاملة من ناشرين ومؤسسات وجامعات ممولة بالكامل، فلا يهمها إن كان الكتاب يُباع أو لا، لأنها تفكّر بالأنشطة التي تقدّمها وليس بالأرباح التي تعود لها.

ويذهب الناشر فايز علام صاحب دار سرد للنشر في دمشق إلى أن النشر بكل أشكاله مغامرة، فتكاليفه مرتفعة جدا، ويزيد النشر الورقي من هذه التكاليف، لافتا إلى أن التكلفة ليست ثمن الورق والطبع فقط، ولكن أيضا التخزين ومصاريف الشحن من معارض الكتب وإليها.

أرقام الطبعات
واعتبر الناشر بدر السيوطي -وهو شاعر وروائي أيضا- أرقام الطبعات نوعا من التسويق والترويج الرخيص للكتب لا أكثر، إذ لا توجد أدلة وبراهين ملموسة عليها، حسب تعبيره.

من جانبه، قال صفاء ذياب للجزيرة نت إن هناك كتبا بالفعل تجاوزت عشر طبعات، وربما يمكننا تلمّس ذلك من خلال التزوير الذي يكون ضعف عدد الطبعات الحقيقية، فمثلا أغلب أعمال أحلام مستغانمي تجد طبعاتها الأصلية، وفي الوقت نفسه تجد من يزورها في القاهرة والعراق.

ويتابع أن الأمر وصل ببعض دور النشر العراقية في بيروت أن تزوّر كتبا عربية وترسلها إلى بغداد بكميات كبيرة، مثل “قواعد العشق الأربعون” وروايات مستغانمي، وكتب تجارية مثل “زحمة حكي” و”ساعة بغداد” وغيرها.

وفي المقابل، هناك تلفيق واضح ببعض الطبعات تقوم به دور النشر نفسها، ففي إحدى المرات فتحت إحدى الروايات العراقية الحاصلة على البوكر، وقد وجدت مكتوبا على غلافها (الطبعة الحادية عشرة)، غير أن بيانات الكتاب تكشف أن هذه الطبعة هي الثانية، لنكتشف أن دار النشر تقوم بنشر كل طبعة بـ250 نسخة ويغير الغلاف فقط، بحسب ذياب.

وأفاد فايز علام -وهو صحفي وناشر- في هذا الصدد أن “حركة الكتب بطيئة، وأن القراء قليلون، لكن علينا هنا أن نميّز بين نوعين من الكتب، الكتب التجارية الخفيفة التي لا يساورني الشك حين أرى على غلافها رقم طبعة كبيرا أن ذلك صحيح، فهي كتب سهلة وترضي أي قارئ ولذلك فسوقها أوسع، والنوع الثاني هو الكتب غير التجارية وغير الخفيفة، وهذه حسب خبرتي تبيع بصعوبة طبعة أو اثنتين وفي استثناءات نادرة ثلاث طبعات، مهما توهّم مؤلفوها العكس!”.

الإعلان عن الكتب
وتحدث علام عن انخفاض عدد المكتبات بكثير من البلدان العربية، وأشار إلى أن ما تبقى من مجلات وجرائد لا تحبذ الحديث عن الإصدارات والكتب، وأما المواقع الإلكترونية فهي الأخرى قلصت المساحة المخصصة للحديث عن الكتب، ولذلك فإنه لم يبق أمام الناشر اليوم سوى وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن كتبه، وهي طريقة فعّالة لأنها مفتوحة أمام الجميع وللجميع.

وحول الكتب الأكثر مبيعا يقول للجزيرة نت، “إن ما يباع اليوم أكثر من غيره هو الرواية المترجمة (إذا كان عدد صفحاتها قليلاً)، أو إن كانت سهلة”، ويضيف إذا اجتمع الشرطان فستكون المبيعات لافتة!

وأكد الناشر بدر السيوطي المساهمة الكبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي في انتشار الأعمال الأدبية. وأشار إلى أن الكتب الأكثر مبيعا في دار الدراويش، هي كتب الشعر والقصة والسيرة الذاتية والرواية والمسرح.

ويرى الناشر صفاء ذياب أنه منذ عام 2005 بات موقع فيسبوك مروّجا مهما لكل ما هو جديد، وقال “أغلب عملنا الآن يقوم من خلال الفيسبوك، إذا كان في الإعلان أو في المبيعات، والتواصل بين دور النشر ومعرفة ما هو جديد”.

ويرى ذياب أن موقع التواصل الاجتماعي الإنستغرام يلعب كذلك دورا كبيرا في مجال الكتب، فالشباب يفضّلون الإنستغرام على الفيسبوك، ولهذا روّج الباعة الكتب التجارية حتى وصلت لطبعات عدّة، وبسبب ضعف موارد الشباب، فقد اعتمد أغلب هؤلاء الباعة على تزوير الكتب، فإذا كان سعر النسخة الأصلية مثلا (15 دولارا)، فإن سعر النسخة المزوّرة لا يتجاوز (5 دولارات)، ويتهم ذياب أغلب باعة الكتب على الإنستغرام بأنهم يتاجرون بالتزوير والقرصنة.

ويتابع أنه بسبب التوجّه الفكري للدار، والبحث عن ترجمات مميزة للدراسات النقدية والفلسفية، فإن أكثر الكتب مبيعا في دار شهريار هي الكتب الفكرية ودراسات ما بعد الحداثة، خصوصا بعد أن تخصصنا في ترجمة الناقد الأميركي المصري إيهاب حسن، مؤسس مصطلح ما بعد الحداثة، ومن ثم قدّمنا دراسات مهمة عن البلاغة الجديدة والتحولات التي مرّ بها الفكر العالمي مثل الدراسات الثقافية وغيرها.

متغيرات المنطقة والسوق
يرى الناشر فايز علام أن المتغيرات التي تمر بها منطقتنا العربية أثرت على صناعة الكتاب العربي. إذ تقلص عدد الأسواق المفتوحة أمام الكتاب، واستفحل تزوير الكتب الورقية، وبسبب الفوضى الحاصلة فإن ملاحقته أصبحت مستحيلة، وطبعا القدرة الشرائية للقراء انخفضت بشكل ملحوظ، في الوقت الذي ارتفعت فيه تكاليف الكتاب كلها.

ويشير صفاء ذياب إلى أن سوق الكتاب لا يختلف عن أي سوق تجاري آخر، يتأثر بكل ما هو اقتصادي أو سياسي، وهذا ما يلاحظ عموما إن كان على مستوى دور النشر أو المكتبات التي توزع كتبها عليها، فالاثنان مرتبطان معا.

وفي العراق التي يعمل فيها ذياب كان سوق الكتاب قبل دخول تنظيم الدولة الإسلامية لبعض المناطق في عام 2014، في أفضل حالاته وتمثل في إقبال متزايد على اقتناء الكتاب، لكنه يستدرك بأن كل شيء اختلف بعد ذلك، فالأزمة الاقتصادية التي مرّ بها البلد بسبب استقطاع مبالغ من رواتب الموظفين لدعم الحرب، والمخاوف التي انتشرت بين الناس، فضلا عن النزوح، أثر بشكل ملحوظ على سوق الكتاب، واستمر التأثير حتى بعد التخلّص من تنظيم الدولة، لأن المخاوف لم تنتهِ أبداً، وما زالت الأخطار تحوم حول المدن العراقية.

ويعتبر ذياب أنه ربّما مرّت فترات مختلفة خلال تلك السنوات، ولوحظ انتعاش نسبي في سوق الكتاب، غير أن هذا الانتعاش بدأ ينكمش بسبب التحوّلات الاقتصادية التي يمر بها البلد، فأغلب الموظفين الآن -وهم القراء بالدرجة الأولى- مكبلون بالقروض السكنية وارتفاع المعيشة في أغلب مرافق الحياة.

قرصنة الكتب
وعن قرصنة الكتب استشهد الناشر فايز علام بما حصل منذ سنوات في معرض بيروت الدولي للكتاب، حين أعاد موزع أكثر من ثمانين نسخة من كتاب كان يباع بصورة لافتة، وعن سبب إعادته للكتاب قال “الكتاب صار موجود pdf على الإنترنت”.

وبدوره، أكد الكاتب والناشر صفاء ذياب أن القرصنة أضرّت بكل دور النشر العربية، فتزوير كتاب واحد سوف يشل حركة البيع عموما، لأن أي كتاب مرتبط بالآخر، ومن ثم فإن الـPDF يسهم بشكل فاعل في انتفاء حاجة كثير من القراء لشراء الكتاب.

ويرى ذياب أنه بعد سنوات بسيطة ستتوقف دور نشر كثيرة عن إصدار أي كتاب لأن الواردات ستتوقف، فمن يشتري كتابا صرفت عليه دار النشر مبالغ لشراء النسخة الأجنبية، وحقوق المترجم، ومن ثم التصحيح والتحرير، والتصميم الداخلي والغلاف والنقل، ليبيعه بعد ذلك بثمانية أو عشرة دولارات، مع الربح البسيط في حال بيعت النسخ جميعا.

وأضاف “بعد كل ذلك يأتي المزوّر ويختصر كل هذه المراحل بنسخة يتيمة يقوم باستنساخها وبيعها بسعر لا يتجاوز أربعة أو خمسة دولارات، أو تحويلها لكتاب إلكتروني مجانا، كل هذا سيؤثر على الكتاب العربي خلال مدة قصيرة جدا”.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى