فاجعتنا…. ألّمت العالم
هي دقائق قليلة كانت تفصلنا عن منتصف ليلة الجمعة – السبت..
هي نفسها اللحظات التي وحّدت بين الحقيقة والخيال.. في عز النوم عند البعض فيتفاجئ بفتح عينيه على حقيقةٍ كان يعتقد أنها خيالا أو وَهْما لا يمكن أن يحصل..
وقد حصل ليكون حقيقة..
حقيقة زلزال الحوز..
في لحظاتٍ كما طَرْفات العين، يقسو القدَر إلى درجةٍ لم نكُن نتصورها أو نفكِّر بها في يومٍ من أيام حياتنا..
مات أحلام شهدائنا بين رُكامِ الأبنية التي تهاوَت كما عُلَب الكبريت فوق الرؤوس
كم جلسوا في غُرفِها وبين جدرانها في أجواءٍ عائلية عاطفيةٍ وديعةٍ دافئةٍ، يتبادلون الأحاديث، والنِكات، بمحبّةٍ وغيرةٍ وكأنهم رُوحا واحدة في أجسادٍ متعدِّدة، ويتحدثون عن المستقبل
كلُّ شيءٍ انتهى..
كل شيءٍ ماتَ، في طُرفَة عين..
لقد اغتالهُ القَدَر…
هي الآن ليلة الخروج أو الهروب الجماعي من البيوت والمنازل إلى العراء، اتِّقاءً لشر الزلزال وكأنَّ أجلنا جاء فلا نستأخر ساعة ولا نستقدم…!
لقد خُلِقَ الإنسان هلوعاً جزوعاً..!
هو الرعب الجماعي الذي وحّدنا هذه الليلة.. وفجّر فينا هذه القوي الايجابية الكامنة فينا والتي لا تظهر إلاَّ عندما يضطَّرنا “تغيير واقعي كبير” إلى إظهارها، فإنْ هي ظهرت – وقد ظهرت – فإنَّ مواطن الضعف فينا تصبح قوة لتجاوز توابع هذا القدر الإلهي نحو مشاهد إنسانية واجتماعية عنوانها.. المغرب المتضامن..
نعم..هو المشهد بلسم هذا الجراح الذي انبعث
من رحم هذا الدّمار الذي تكاد الدموع تحجب حروف كلمات الأخبار الحزينة التي تتضمن أعداد الشهداء والمصابين والمباني المنهارة..
ووسط ذرات غبار تهوى في الرياح يقف المرء حائراً يشعر بالضعف فلا يملك للآلاف من إخوانه سوى أن يتوجه إلى الله بالدعاء والمغفرة والرحمة… وان يتسابق نحو الصفوف الامامية نحو مراكز تحاقن الدم لتقاسم الحياة مع الناجين من إخواننا
هو مغرب التضامن بيننا…
وتضامن العالم معنا
هو المشهد العام الذي خفّف من ارتدادات هذه الهزّات.. بعد لطف الله ورعايته بالنظر إلى درجة الزلزال وقوّة انتشاره وتوسعه عبرالتراب الوطني..
هو أطول طابور أمام مركز تحاقن الدم بمراكش ومن مختلف الجنسيات واللغات هكذا علّق مذيع إحدى القنوات.. دون أن يغفل صوراً ليافعين مغاربة يوزعون مجّانا الماء والوجبات على المتطوعين
لترفع عينيك نحو نفس المركز بعروسة الشمال وتلتقط هذا الحضور لراهبات مسيحيات ينتظرن دورهن في طابور أطول.. لتنزل إلى أكادير وسط المملكة فيلتقي اللاعب الرائع الخلوق اشرف حكيمي جمهوره بمركز تحاقن الدم بإحشاش عوض ملعب ادرار..
هي لوحات مجتمعنا والتي لا تنسج خيوطها إلا عبر قطرات دمنا في الفرح كما الحزن.. في الهزيمة كما الانتصار
وهي لعبة القدر معنا الذي ما فتئ يختبر فينا قوة هذه اللحمة الصامدة أمام الكوارث والأزمات نحو التجاوز والإنبعاث أكثر
هو أيضاً قدرنا الجميل والذاكرة تعود بك إلى الحديث القدسي :
( إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل, يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض فيحبه كل أهل الأرض. ….)
بالقياس بلدنا محبوب وذو هبة ووزن.. بحجم هذا التضامن العالمي من ملوك ورؤساء دول العالم.. وبمعجم لغوي يقنعك ان فاجعتنا ألّمت العالم.. وليس الأمر جديداً فقد أحسسنا بهذا الدفء الإنساني لحظة مأساة ابننا ريّان وكيف توحدت كل بيوت الله من أجل الدعاء اليه..
ليس جديدا علينا حتى أن نفس العالم تقاسم أفراح انتصاراتنا الكروية..
ديما المغرب..
هي الآن جملة عالمية إنسانية تترجم هذا الحب الإنساني الدافق عربون محبّة الله لبلدنا..
أليس من لطفه ورعايته ان يخلف هذا الزلزال العنيف من حيث درجته اقل الخسائر – رغم ألمها – مقارنة مع ما وقع في بلدان أخرى آخرها..
هم الآن تحت الأرض نحو السماء شهداء…
ونحن الباقون فوقها..
نحن أمّة بروح واحدة…
وليعرف القدرأن عرق التضامن فينا وراثيّ ووريث
يوسف غريب كاتب / صحافي