مقاربة توطين التوقعات المناخية والحد من المخاطر
محمد التفراوتي
أسدل الستار عن أشغال الندوة الإشعاعية المنظمة من قبل مختبر التراب والبيئة والتنمية-كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وجمعية النادي المغربي للبيئة والتنمية، يوم الخميس الماضي ،9مارس 2033 حول موضوع ” توطين التوقعات المناخية والحد من مخاطر الكوارث.”
ويندرج الملتقى في سياق مرامي الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من مخاطر الكوارث (GNDR) ، وكذا الحوار والتعاون بين الشبكة والمجتمع العلمي ، وذلك بغية تقوية الحوار والتعاون بينها كمنظمة دولية وبين كل من الباحثين الأكاديميين وخبراء المناخ والأرصاد الجوية والفاعلين المحليين والمجتمع المدني.
وياتي تنظيم هذا النشاط لتعزيز الحوار بين المشاركين حول كيفية تبسيط ونقل المعرفة والمعلومات العلمية، المتعلقة بالطقس والمناخ والحد من مخاطر المناخ، إلى المجتمعات المحلية. وتم تقديم دليل تمت صياغته من قبل الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من مخاطر الكوارث (GNDR).
وأبرز الملتقى التكامل بين المعرفة المعرفة المحلية والعلمية في مسائل توقعات تغير المناخ والحد من المخاطر. و أظهر كيفية ضمان المشاركة النشطة للمجتمعات المحلية في مجال الوقاية من المخاطر من خلال الاستفادة من دليل “توطين الإسقاطات المناخية”. وتفاعل المشاركون من خلال مناقشات مستفيضة حول كيفية التوعية بإرشادات “الدليل” وتطبيقه من قبل المجتمعات المحلية.
وساهم اللقاء في نسج أواصر التعاون بين مختلف الأطراف المعنية بموضوع مواجهة مخاطر الكوارث، كل من زاوية تخصصه، كما عمل على تحفيز الفاعلين وإرشادهم للعمل على توطين التوقعات المناخية من خلال توظيف المعارف التقنية والعلمية والمعارف والمهارات المجتمعية المحلية مع القيام بالتنبؤات المناخية للحد من مخاطر الكوارث.
وأكد السيد عبد الصادق بلفقيه أن تنظيم هذا الملتقى العلمي هو ثمرة تعاون بين مختبر التراب البيئة والتنمية التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل والنادي المغربي للبيئة والتنمية الذي ينتمي للشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من أخطار الكوارث.
ويعنبر موضوع التغيرات المناخية والمخاطر الناجمة عنها وطرق تدبيرها محور اهتمام الرأي العام الوطني والدولي، سواء على مستوى البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحث التي تقوم بدراسة هذه الظاهرة وتفسيرها أو على مستوى السياسات العمومية التي تحاول ملائمة برامجها ومخططاتها مع هذا المتغير، وتشارك جمعيات المجتمع المدني في تأطير المجتمع وتحسيسه بهذه التغيرات وكيفية التكيف معها، مع مراعاة المجتمعات المحلية وموروثها الثقافي ومختلف التقاليد والأعراف .وقال الدكتور بلفقيه أن راهنية الندوة تأتي في إطار سياق نقاش عالمي ووطني حول موضوع التغيرات المناخية والحد من المخاطر لمحاولة الربط بين المعرفة العلمية وثقافات المجتمعات المحلية وللخروج بتصور متكامل لكيفية تدبير المخاطر المحتملة الناجمة عن التغيرات المناخية.
وأطر نقاش الملتقى الدكتور محمد فتوحي ممثل الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من مخاطر الكوارث GNDR) ) ، ورئيس والنادي المغربي للبيئة والتنمية متناولا المخرجات التي يستوجب بلوغها. وتحديد التوقعات المناخية التي تدعو إلى المواجهة والصمود وترجمة التصورات ومختلف الافكار على أرض الواقع وإشراك الفاعلون كل من زاوية تخصصه في إلتقائية تامة وتنسيق مسؤول .
وأكد فتوحي على دور الحوار وتقاسم المعرفة وإشراك الفاعل المحلي من مواطنين و مؤسسات معنية بمقاربة ميدانية تروم الأجرأة والنهج الميداني على مستوى الصحة العامة والتنمية والغذاء. كما أن مواجهة المخاطر تستوجب ترسيخ المعرفة التقنية وإيصالها لكل المجتمعات المحلية وجعلها صامدة عبر توفرها على المعلومة و حق الولوج إليها، التي يضمنها الدستور .
ودعا فتوحي الى التشبث بالوقاية لتجنب المخاطر، وكذا تبادل النقاش في سياق المخاطر الذي يشهدها الحوض المتوسطي والتي يتدخل فيها الفاعل البشري فضلا عن العامل الطبيعي .وبذلك وجب مقاربة القضايا التي تهم المجتمع بترابط مع السياق الدولي والإقليمي .
وشهد الملتقى جلستين علميتين. وترأس الجلسة الأولى من الندوة الاستاذة لمياء البزاري،عن مختبر التراب والبيئة والتنمية بجامعة ابن طفيل والاستاذ سعيد شكري عضو الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من مخاطر الكوارث (GNDR).
وقدمت مداخلات علمية بينت بالدراسة والتحليل أهمية المزاوجة وخلق التمفصل والإلتقائية بين المعرفة العالمة والخبرة العلمية من جهة، والمهارات والممارسات والمعارف الاجتماعية والمجتمعية المحلية. وتم تقديم دليل إرشادي حول الموضوع معد من قبل الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من مخاطر الكوارث (GNDR)، حيث وزع الدليل على المشاركين من من مختلف المشارب والتخصصات ، إداريين ومجتمع مدني وجهات أكاديمية وطلبة وأساتذة ورجال الإعلام وكذلك بعض الفلاحيين، الذين جاؤوا للإدلاء بشهاداتهم حول الكيفية التي تتعامل بها الثقافة الشعبية مع الأحوال الجوية والمناخية والحد من المخاطر على المستوى المحلي.
وتحدث السيد ربيع مروشي عن مديرية الارصاد الجوية عن دور المعلومات الميتورولوجية في الحد من المخاطر الجوية ومجال تدخل المديرية ومهمة الرصد بمختلف أبعاده ومجالاته.
وقدم كل من الأستاذين عيسى البوزيدي عن مختبر التراب والبيئة والتنمية و محمد فتوحي عن النادي المغربي للبيئة والتنمية “دليل توطين التوقعات المناخية” المنجز من قبل الشبكة الدولية للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية ليتم تقديم تشخيص للوضعية وعوامل القلق والمأمول القيام به ودور الفاعلين المحليين، ذلك أن على مدى المائة عام الماضية، شهد كوكبنا الأرضي ، حسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (GIEC 2022)، زيادة في درجة الحرارة تقدر بنحو 0.6 درجة مئوية. وتوقع ارتفاع مستوى سطح البحر في سنة 2100 ما يناهز 40 سنتيمتر. فمنذ الثورة الصناعية بلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نحو 41 في المائة في حين وصل معدل الأنواع المهددة بالانقراض بسبب تغير المناخ إلى 20 في المائة. ورغم أن البلدان النامية من ضمنها المغرب ذات مسؤولية محدودة على مستوى الانبعاثات الغازية لكن التأثير مثير للقلق.
وبموجب اتفاقية باريس (Cop 15) ، توافق جميع البلدان على العمل للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من 2 درجة مئوية ، وبالنظر إلى المخاطر الشديدة ، تطلعت إلى 1.5 درجة مقابل درجة مئوية، مع تدابير “التكيف والتخفيف” التي تشمل النطاق المحلي.
ولتمكين الجهات الفاعلة المحلية قيادة عملية مواجهة مخاطر المناخ ، أنتجت الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من مخاطر الكوارث (GNDR) أداة عملية لتوطين التوقعات المناخية. وبذلك تم تقديم بإسهاب وتبسيط محتوى دليل التوقعات المناخية ومجموعة من الأدوات التطبيقية الستة لتحديد مكان وتوقعات تغير المناخ. تتمكن الجهات الفاعلة المحلية من استيعاب الأبعاد المتعددة للمجتمعات المعرضة للخطر التي تواجهها. وبذلك يبقى بناء القدرة على الصمود الأكثر فعالية. ويبدو أن أفراد المجتمع الأكثر عرضة لخطر الكوارث، والمسؤولين الحكوميين المحليين ، وقادة المجتمع ومنظمات المجتمع المدني ، في الخطوط الأمامية لهذه الأزمات. إن مشاركتهم في تخطيط وتنفيذ ومراجعة سياسات وإجراءات الحد من المخاطر أمر حيوي ، لكن نسبة 84 في المائة من الفاعلين المحليين يقولون إنهم غير مشاركين في تقييم التهديدات ، وإعداد السياسات والخطط ، واتخاذ إجراءات للحد من التهديدات.
وقارب الأستاذ مبارك الطايعي عن مختبر التراب والبيئة والتنمية ” الوقع الاجتماعي للمخاطر والأزمات ودور المجتمعات والمعارف المحلية في التصدي والمواجهة” متحدثا عن حتمية العلوم الطبيعية الحقة أمام المقاربة السوسيولوحية والتوابث الاجتماعية المتعددة الأبعاد .وأشار إلى الرصيد اللغوي عند المغاربة الزمن بين البعد إجتماعي والبعد الطبيعي ثم ذكر أن الكوارث والأوبئة ليست جديدة بل يتعايش ويتأقلم معها المجتمع. ويتعلم مع هذه الظواهر مهارات محلية .
.واستعرض الأستاذ الطايعي تجرية الرحل بالمغرب والجماعات السلالية نموذجا، متناول النظريات السيكولوجية المقاربة لإشكالية المخاطر، و مستحضرا نظرية “مجتمع المخاطر العالمي” لعالم الاجتماع “أولريش بيك” الذي يعرف مجتمع المخاطر بأنه “حالة من توافق الظروف أصبحت فيها فكرة إمكانية التحكم في الآثار الجانبية و الأخطار التي يفرضها اتخاذ القرارات محل شك ” كما عرض النظرية السوسيولوجية الفاعل والشبكة لعالم الاجماع “برونو لاتور” (Bruno Latour) وإسقاطها تحليليا على النموذج المغربي .
واستعرض الاستاذ عزيز لبيهي عن مختبر التراب والبيئة والتنمية “الثقافة الاجتماعية ومقاومة لمخاطر التقلبات المناخية بدرعة الاوسط، مشيرا إلى بعض الممارسات الحكيمة والمهارات المبتكرة بقرى مغربية نائية .
وتناول الاستاذ محمد لعتريس عن مختبر التراب والبيئة والتنمية مختلف “المعارف المجتمعية التقليدية في مجال التوقعات الجوية وعلاقتها بالحد من مخاطر الكوارث”. وعرض مختلف الثقافات المحلية التي تتكيف مع الظروف المناخية وتتسم بالإبداع والابتكار وفق المنازل المناخية والطقوس الاجتماعية المحلية
وقدم الاستاذ بوشتى الفلاح عن المعهد العلمي بالرباط “الارشيف المناخي بالمعهد العلمي فهم متجدد للتغيرات المناخية بشمال افريقيا” مستعرضا المعطيات المناخية بالمغرب والبلدان المجاورة التي تم تجميعها من قبل المعهد العلمي بالرباط قبل قرن، وهو الٱن على شكل أرشيف ضخم لم يتم استغلاله إلى جزئيا. كما أنه أصبح تراثا وطنيا كونه توصیف لأحوال الطقس التي سادت يوميا بالمغرب منذ سنة 1922.
وأكد الاستاذ الفلاح أنه بفضل هذا الارشيف تم وضع خريطة للتساقطات وأخرى للطبقات الجيومناخية لازالتا مرجعين أساسين لكل من يدرس مناخ المغرب . وتناول، المتحدث نفسه، أرشيف سنوات ممتدة ما بين 1922 و 1952 ويقتصر وجودها على المعهد العلمى، في حين متوفرة ما بين سنوات 1953 و 1992 بالمعهد العلمي وبمؤسسات اخرى لكن فى وضعية سيئة. و تتضمن النشرة اليومية الضغوط الجوية ضمن خريطة شمولية ومقادير الأمطار. والحرارة وسرعة الرياح و حالة البحر. ثم توصيف لحالة الجو ضمن عمود “تغايري أديباتي” و توقعات اليوم الاحق. واسترسل الاستاذ الفلاح في استعرض نماذج من وثائق جوية مشيرا إلى أن عددها يناهز 60.000 وثيقة جوية تقتضي التحقيق المفصل والمقارنة والمعالجة الرقمية والرياضية.
وخلص الأستاذ بوشتى الفلاح إلى أن أرشيف مناخ المغرب يمكن بلادنا من تراث يتعدى 100 سنة من الرصد الجوي .ويتجاوز مجال الرصد المغرب نحو مجموع شمال افريقيا والصحراء وبلدان الساحل. يتتبع الضغوط الجوية المؤثرة من الاسور، الصحراء المتوسط وإسلندا، ومخلفاتها الريحية شوقي، صحراوي ، غربي، قطبي ..
و يعتبر هذا الأرشيف مصدرا لا غنى عنه لمعرفة تطور المناخ الجهوي ومقاربة التطورات المناخية عند التقاء النطاق “الشبه مداري” والمداري .
وهمت الجلسة الثانية تناول مجموعة من التصورات وفق “تقنية العصف الذهني” بغية توليد معارف مكنت من بلورة مجموعة من الأفكار والتوصيات حول سبل تحقيق التمفصل والتكامل بين المعارف التقنية والمعارف والمهارات المحلية.
وتناول المشاركون القيمة المضافة لدليل” توطين التوقعات المناخية ومجموعة أدواتها ” وبحثوا سبل تبسيط ونشر المعرفة المتعلقة بتوطين الإسقاطات المناخية بالمجتمعات المعرضة للخطر.
وتدارس المشاركون مقاربات دمج التوقعات المناخية وسبل المواجهة على مستوى مجالات تدخل المشاركين، من إدارة و جامعة و مجتمع مدني و إعلام. فضلا عن كيفية القيام بحملة تعبئة لتطبيق مقاربة “توطين الإسقاطات المناخية” من قبل المجتمعات المحلية المعرضة للخطر.
وحدد المشاركون خلال تدارس الموضوع توطين التوقعات المناخية والحد من المخاطر مناقشة محور “التوقعات المناخية ” عبر رصد المعطيات المناخية الكمية والنوعية، وجمعها، ومعالجتها حسب تخصص مديرية الأرصاد الجوية الوطنية. ثم توظيف هذه المعطيات من طرف عدة مؤسسات حكومية وغير حكومية لأغراض متعددة وعلى مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية من خلال مراجعة التشريعات وملائمتها مع التغيرات المناخية وآثارها، ثم من جانب مراجعة المخططات والاستراتيجيات الخاصة بتدبير الموارد الطبيعية والكوارث على ضوء هذه المتغيرات، من قبيل المخطط الوطني للماء، مخطط الفيضانات. وتنفيذ السياسات العمومية فيما يخص تدبير الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة. وتتبع النشرات الإدارية واتخاذ القرارات والإجراءات الاستباقية لمواجهة المخاطر المحتملة، على مستوى السلطات الجهوية والمحلية، ليأتي دور الجامعات و البحث العلمي و الإعلام، والمجتمع المدني من خلال تحليل المعطيات المناخية وتعميق البحث في الظواهر المرتبطة بالتغيرات المناخية والمخاطر المحتملة وتفسيرها و تقديم النتائج وسيناريوهات تدبير المخاطر والتكيف مع آثار التغيرات المناخية. ووضع هذه النتائج رهن إشارة الرأي العام، وكذا استثمار المعلومة ونتائج البحث العلمي وتبسيطها ونشرها بين الساكنة لتحسيسهم بهذه المتغيرات وكيفية التكيف معها وكيفية مواجهة المخاطر المحتملة.
وتناولت الجلسة النقاشية محور تدبير المخاطر، لتقارب بالدرس والتحليل تتعدد المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية من الجفاف، العجز المائي، الفيضانات، الحرائق ووجوب مواجهتها بتوقع المخاطر زمانيا ومكانيا و وضع سيناريوهات التدبير واتخاذ الإجراءات الاستباقية ثم إدماج الساكنة في هذه سيناريوهات تدبير المخاطر قبل وقوعها وفي حالة وقوعها وبعد حدوثها .
واختتم اللقاء التشاوري بإشادة واسعة بمستوى النجاح الذي حققه اللقاء. ونادى المشاركون بضرورة تثمين المقاربة، مضمون الملتقى، وألحوا على تطوير الشراكة والتعاون بين الهيئات والمؤسسات المشاركة في مجال السعي لتجنب أسباب التغيرات المناخية والحد من مخاطر الكوارث
يشار أن هذا الملتقى العلمي والتواصلي والتوعوي شهد حضور مكثف لنخبة من الفاعليين من قبيل مصالح الأرصاد الجوية والهلال الأحمر والوقاية المدنية والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي والمديرية الإقليمية للفلاحة والمديرية الإقليمية للمياه والغابات و المديرية الإقليمية للبيئة وكالة حوض سبو وعدد من ممثلي هيئات المجتمع المدني وفلاحين ، وعدد من الإداريين والممارسين والطلبة الباحثين بسلكي الدكتوراه والماستر والسيدات والسادة الأساتذة أعضاء مختبر التراب والبيئة والتنمية.فضلا عن عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة.