مجتمع

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المدعمة للنقل المدرسي بإقليم اشتوكة أيت باها نموذج لتجربة نجحت على المستوى الوطني.

 

.عبداللطيف الكامل

شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعد برزوها بالمغرب دعامة أساسية للنهوض بالنقل المدرسي بالوسط القروي على الخصوص والذي يتميز بمحيط مختلف عن نظيره الحضري وذلك ببعد المسافة بين المدرسة ومحل سكنى التلاميذ،وهذا ما طرح إشكالات عديدة.

وساهم الفاعلون المدنيون بالفيدراليات والجمعيات المتهمة في طرح اقتراحات على الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم ببلادنا،وخلصت هذه الإقتراحات بالتفكير ،في إيجاد صيغة للتغلب على إشكال البعد،لتفادي الهدر المدرسي ولاسيما في صفوف الفتيات.

وكانت فكرة قد تولدت ونضجت في إقليم اشتوكة أيت باها الذي كان بحق مبادرا أولا بشهادة الجميع في إخراج فكرة النقل المدرسي التي احتضنتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وسانتدتها ودعمتها ماليا لحل المشكل العالق بالوسط القروي وخاصة بالمناطق الجبلية والوعرة.

ولمعرفة تفاصيل حكاية بداية الشروع في خدمة النقل المدرسي بالوسط القروي والمناطق الجبلية النائية كان لنا هذا اللقاء مع الفاعل الجمعوي المعروف بسوس والذي كان من بين المبادرين الأوائل الذين طرحوا هذا النوع من النقل على المنتخبين والسلطات الإقليمية في منتصف التسعينات من القرن الماضي،إنه أحد أبناء الإقليم والفاعل المدني والمثقف والباحث المعروف بسوس الدكتورخالد العيوض الذي كان له الفضل أيضا في التعريف دراسة وبحثا وتصويرا بمخازن سوس وخاصة مخازن هلالة بمنطقة أيت باها .

وفي إجابته على سؤالنا كيف تم ابتكارفكرة النقل المدرسي كحل ناجع للقضاء على الهدرالمدرسي بإقليم اشتوكة أيت باها،فضل الدكتور خالد ألعيوض الحديث أولا عن بدايات انبثاق الفكرة الجنينية التي ولدت المشروع وأبرزت مشاريع تنموية أخرى،وقال:

“البدايات تعود إلى مستهل التسعينات من القرن الماضي،كنا آنذاك شبابا وأطر،لكن القرى كانت آنذاك لاتتوفرعلى الماء الشروب والكهرباء،فالمسالك الطرقية قليلة جدا، وكانت بداية لما نعتبره اليوم”ملحمة التنمية”ساهم فيها بدون استثناء،كل أبناء الإقليم،فهناك من ساهم بأفكاره،بقيادته وهناك من ساهم بأمواله،وآخرون بأعمالهم بل وبسواعدهم”.

واختار أن يسمي الأشياء بمسمياتها فأضاف”كنا أمام خصاص مهول في بداية التسعينات التي عشنا فيها مرحلة طويلة من الجفاف وعشنا فيها مشاكل مرتبطة بالماء الشروب على مستوى القرى حيث كانت هناك آبارلكن كلفتها باهظة جداً إلى درجة أن معظم الأسربالإقليم لم تعد تستطيع أن تلبيها لوحدها”.

وهنا انبثقت فكرة ما نسميها اليوم في البحث الجامعي ب “الابتكار الاجتماعي”،يؤكد ألعيوض،و”بدأ تفعيل هذه الفكرة بقرية تدارت حيث تم إنشاء أول بئر مشترك للإنتقال من التدبير الفردي للماء إلى التدبير الجماعي ببناء صهريج يزود الدواوير بالماء الشروب”.

وهكذا انطلقت جميع المشاريع التنموية المشتركة الأخرى بالإقليم،سواء في مجال الماء الشروب والكهرباء وتعبيد الطرق وفتح المسالك بالمناطق الجبلية وإحداث مركبات سوسيوثقافية وبناء أندية للطفولة والنساء وملاعب القرب ودور الإيواء والضيافة ثم أخيرا فكرة ابتكارطريقة النقل المدرسي وكيفية تدبيرها والبحث عن التمويل لهذا المشروع الذي بدأ أولا بقرية أولادميمون بسيدي بيبي ثم سيتم تعميمه على الإقليم يقول خالد ألعيوض.

مشيرا إلى أن شجعنا على خوض هذه المغامرات هو “العودة إلى القيم التي عاش بها أبناء سوس منذ قرون،وهي قيم”تيويزي”والتضامن وقيم العمل المشترك،والتي سبق أن تحدث عنها”المختار السوسي”في كتابه الشهير”المعسول”حيث حرص أبناء سوس على العمل التشاركي والمشترك،وهو النهج نفسه الذي سيتبناه الإقليم فيما بعد،ليكون لنا الطريق والمنهاج والمفتاح لحل الإشكاليات التي ذكرتها سالفا.

وانطلاقا من ذات المنهاج،فكرنا في المشاكل التي يتخبط فيها التعليم،فقمنا بشراكة مع مؤسسات عمومية وخصوصية بتزويد المدارس بالماء الشروب في المرحلة الأولى، لأنه كان يعاني من عدم توفره على هذه المادة الحيوية،ثم فكرنا داخل جمعيتنا في بناء المرافق الصحية،ثم بعد ذلك ستنخرط الجماعات المحلية في هذا المجال ليأتي البرنامج الاستعجالي لينخرط في هذا النهج،وللتاريخ يقول ألعيوض:فقد كانت جمعيات المجتمع المدني بإقليم اشتوكة أيت باها السباقة في هذا الإطار،حيث أعطت الحلول لكل الإشكالات المطروحة.

 

وأضاف الباحث في التراث والهجرة “لكن مع تعميم التعليم الابتدائي،سيبرز إشكال جديد،حيث لاحظت جمعيتنا بأولاد ميمون،وفي إطارحركية عرفها الإقليم،اكتشفنا وجود مجموعة من الإكراهات من بينها الهدرالمدرسي( ولازلت أتوفرعلى هذا الأرشيف) فبدأنا بالتفكير في الحلول في ظل دائما “الابتكار الاجتماعي”.

ويؤكد أن جمعية”أيت علي بإنشادن”كانت سباقة لفتح أول خط للنقل المدرسي بالإقليم،وكانت جمعية”تدارت”أول من بدأ بمشروع الماء الشروب،وجمعية “باخير” أول من أنشأ مشروع للسقي الجماعي، وجمعية”أيت علي”هي أول من بدأ مشروع النقل المدرسي، وجمعية أولاد ميمون للتنمية والتعاون هي أول من أسست “مركب سوسيوثقافي” بشراكة مع وزارة التشغيل والتكوين المهني والتنمية الاجتماعية والتضامن.

وبخصوص مشروع النقل المدرسي،أفاد المتحدث أنه “في إطارتشخيص تشاركي قمنا به،ضمن نهج الشراكة أيضا،مع جماعتي”جيت”البلجيكية و”سيدي بيبي”بقريتي”تدارت وحاسي البقر”وجدنا أن أعلى معدلات الهدرالمدرسي في صفوف الفتيات كانت مسجلة في هاتين القريتين،فانصب التفكيرعلى فتح أول خط للنقل المدرسي بجماعة”سيدي بيبي” سنة 2008،بعد أن تم عقد اجتماع موسع حضره رئيس الجماعة والمديرالإقليمي للتعليم بأشتوكة أيت باها آنذاك”.

وبعد سنتين،يقول ألعيوض :ستأتي التجربة الثانية،بمبادرة من المدير الجهوي للتعاون الوطني آنذاك،وكنت دائما ألح عليه لأنه بدأ هذه التجربة المرتبطة بالنقل المدرسي في زاكورة بشكل جيد،وكنا نسمع عنها،فاستدعاني في إحدى المرات وأخبرني أن هناك حافلتين وسيارة إسعاف،وحول وجود رغبة لدينا بخصوصها،فاتصلت برئيس الجماعة الحاج محمد بازي،الذي كان تواصله ايجابيا حيث وضعت الجماعة،آنذاك،ميزانية اقتنت بها الحافلتين وسيارة الإسعاف”.

وكانت هذه الفكرة بمثابة الخطوط الأولى من نوعها التي انطلقت بسيدي بيبي،الأول بمنطقة أيت ميمون،والثاني بتدارت. وبالنسبة لخط أيت ميمون، قد كنت مصرا على أن لا يبقى رهينة جمعية واحدة دون بقية القرىالمجاورة،فكان منذ البداية مشتركا بين جمعيتي أولاد ميمون وأنوارالبرايج للتنمية والتعاون وجمعية أكدال العزيب رغم أن هذه الأخيرة تبعد عنا بحوالي سبع كيلومترات”.

و”رغم نقاشات كانت مطروحة حينها حول الكلفة وهاجس الخسارة المحتملة،وصحيح أننا كنا في هذه المرحلة ندبرفي إطارالتضامن،إذ أن مايؤديه التلميذ في العزيب مثلا لايغطي حتى تكاليف البنزين،ولكن كنت دائما أقول إن الرهان منصب على الربح الاجتماعي واستطعنا أن نحارب الهدر المدرسي في الدواويرالثلاث بسرعة فائقة،ليرتفع العدد إلى أكثر من نسبة 96 بالمائة، واليوم والحمد لله تم الوصول لتغطية مائة بالمائة”..

أما عن الإشكالات المترتبة عن النقل المدرسي فلخصها خالد العيوض في الآتي:” النقل المدرسي،ظل ومنذ التفكيرفيه،ذا طابع اجتماعي صرف وليس ربحيا،فمنطق الربح والخسارة لايستقيم،لأن الهدف الأساسي هوخدمة الأسرالمعوزة والمحدودة الإمكانيات، ولذلك فقد كان عندنا إصرا،منذ البداية،على أن نخصص جزءا لاحتضان الأيتام والأسر التي لا تملك الإمكانيات،حيث يعفى سنويا ما بين 26 حتى 30 من الأيتام،من الأسر الفقيرة أوالمتعددة الأبناء”.

و”يتم أيضا إعفاء الإبن الثالث لأسرة تتكون مثلا من ثلاثة أبناء من نسبة 50 بالمائة، ليتم، فيما بعد تعميم الفكرة بعد تأسيس الفيدرالية.وبالتالي،فالكلفة الحقيقية للنقل المدرسي ليست هي التي يؤديها المستفيدون،واليوم يصل ما يؤديه التلاميذ مابين 80 و100درهم أو 60 درهما في بعض المناطق،فالثمن الحقيقي يتجاوز مائتي درهم”.

ولهذا يشدد الأعيوض على “ضرورة انخراط الجميع مؤسسات منتخبة وعمومية وخاصة من أجل أن تدعم هذا القطاع الحيوي الذي يعتبرأساسيا،دون نسيان المجلس الإقليمي الذي أصبح النقل المدرسي من مهامه الذاتية حيث ظل منخرطا في هذه العملية،كما نشيد بالسلطة الإقليمية التي احتضنت هذا المشروع ودعمته منذ بدايته ولازالت لأن الشراكة نهج التنمية وهي شعارالإقليم ويتجسد في موضوع النقل المدرسي،الذي يتدخل فيه شركاء فاعلون،يتعلق الأمربالجمعية المحلية التي تتولى تسييرالمشروع،والأسرالتي تساهم في تأدية الاشتراك الشهري،والجماعات المحلية التي تساهم بقسط من تكاليف المحروقات،والمجلس الإقليمي الذي يساهم بالاقتناء أو بدعم المحروقات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى