وانتصرت غزة بعد ان علمت العالم معنى العزة.
بقلم ذ.عادل بن الحبيب
احتفل الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية ، بالنصر الذي حققته المقاومة بعيد سريان هدنة مفتوحة تنهي مبدئيا عدوانا إسرائيليا شرسا استمر قرابة شهرين،وتمهد لرفع كامل للحصار عن قطاع غزة . وفور هذا الإعلان خرج عشرات آلاف الفلسطينيين في مدن غزة وخان يونس ورفح وفي مخيمات القطاع حاملين الأعلام الفلسطينية ورايات الفصائل مرددين هتافات تشيد بالمقاومة وسط إطلاق الرصاص والألعاب النارية.كما خرجت حشود في مدن الضفة الغربية -خاصة في نابلس والخليل ورام الله- ابتهاجا بصمود المقاومة في غزة، وشملت الاحتفالات أيضا مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن، ومخيم اليرموك.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك لفصائل المقاومة الفلسطينية من فوق ركام حي الشجاعية الذي دمرته إسرائيل خلال الحرب الأخيرة ، ألقى أبو عبيدة بيانا مشتركا عبر فيه عن موقف المقاومة المشترك إزاء “النصر الذي حققته غزة على إسرائيل”.
البيان أكد أن المقاومة سحقت كبرياء إسرائيل المصنوع لعقود على شاشات الإعلام العالمي، وأن غزة قهرت نظرية الجيش الذي لا يقهر، واعتبر أن أكبر إنجاز للنصر الذي حققه الفلسطينيون خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة هو تحقيق الوحدة الفلسطينية و أن المقاومة هي أفضل سبيل لتوحيد الفلسطينيين.
ولفت البيان المشترك إلى أن من نتائج الحرب الأخيرة أن المقاومة تمكنت من تهجير آلاف المستوطنين الإسرائيليين من بيوتهم، واضطر ستة ملايين إسرائيلي للاختباء في الملاجئ، كما عطلت منظومة إسرائيل الجوية والبرية والبحرية.
البيان قارن أيضا بين أهداف المقاومة وأهداف إسرائيل في الحرب الأخيرة، موضحا أن أهداف المقاومة كان ضابط “الجيش الصهيوني” وبنك أهداف إسرائيل كان المدارس والمنازل ومتنزهات الأطفال.
وأشاد البيان ب”الملحمة الأسطورية” التي سطرها الشعب والمقاومة في غزة، مؤكدا أن غزة ومقاومتها انتصرتا لأنهما فعلتا ما لم تفعله جيوش كبرى على مدى سنوات، وان غزة أفشلت الرهان على عزلتها وضعفها، وان المقاومة أظهرت بالحرب الأخيرة هشاشة المنظومة الأمنية والمخابراتية المزعومة لإسرائيل. المقاومة انتصرت في حربها ضد إسرائيل و التي شهدت استشهاد نحو 2150 فلسطينيا، وإصابة 11 ألفا آخرين, وتدمير آلاف المنازل, وإحداث اضرار جسيمة في البنية التحتية.
في المقابل إسرائيل تعيش حالة إحباط بعدما فشلت في تحقيق جل أهدافها ،وعلى رأسها توجيه ضربة قاتلة لحركة حماس ونزع سلاحها. وعبر جل الإسرائيليون عن غضبهم لأن إسرائيل لم تحقق أي إنجاز، ووصف بعضهم اتفاق الهدنة المفتوحة بأنه اتفاق استسلام وخضوع ضاعف هذا الغضب الانتصار الذي حققته حماس على عدو يعد الأفضل تسليحا في منطقة الشرق الأوسط، بل وصمدت طوال سبعة أسابيع، وهو ما يمثل انتصارا معنويا كبيرا لها.
و يواجه نتنياهو انتقادا عنيفا لقراره وقف إطلاق النار مع حماس دون الرجوع للبرلمان حيث امتنع عن عرض اتفاق الهدنة على المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية، واكتفى بإبلاغ الوزراء الثمانية الأعضاء بالقرار بعد علمه أن نصفهم يعارضونه. ، والأهم من ذلك دون حتى الاقتراب من دحر حماس عسكريا.
ولم ينتظر قادة العديد من الأحزاب المحسوبة على معسكر اليمين دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، حتى بدؤوا توجيه انتقادات شديدة اللهجة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث وصف العديد منهم “الاتفاق غير المشروط” بين إسرائيل وفصائل المقاومة بـ”المخجل”، بل إن هناك من اعتبره انتصارا لحركة حماس. واعتبروا وقف النشاط العسكري الإسرائيلي دون فرض أي قيود على تعاظم وتسليح حماس، ودون عودة الجنود والمدنيين المحتجزين في غزة، سيكون فشلا سياسيا ستدفع اسرائيل ثمنه مضاعفا في المستقبل. وأضافوا “مع أفضل قوة استخباراتية وجوية في العالم، تمكن نتنياهو من اقتناص وقف إطلاق نار دون شروط من حماس، هذا مخجل ومحرج”.
وسط هذه الانتقادات وخلافا لما كان متبعا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، غاب نتنياهو في الساعات المفصلية عن المشهد، وامتنع عن تقديم إحاطة وخطاب للإسرائيليين بشأن مضامين وشروط وقف إطلاق النار. مشاهد الانتصار التي عبّر عنها الفلسطينيون في كافة المناطق الفلسطينية، غابت تماما في الجانب الإسرائيلي، فيما بدت مقولة نتنياهو “وجهنا ضربة قاضية لحماس ولقدراتها الصاروخية” ضبابية حتى من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي. مشهد الاحتفال بالانتصار في المناطق الفلسطينية قابله غضب وخيبة في إسرائيل.
وتنص صيغة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية على إعادة الإعمار ، وإنهاء الحصار ،وفتح المعابر بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية ومواد البناء إلى القطاع. كما تنص على فتح جميع المعابر والسماح بإدخال كل ما يحتاجه القطاع من أموال مع حل مشاكل الكهرباء ،باستثناء معبر رفح الذي لم يتطرق إليه الاتفاق لأنه شأن فلسطيني مصري. والسماح بالصيد البحري حتى مسافة ستة أميال بحرية ،ووقف سياسة الاغتيالات،وعدم استهداف المقاومين والقادة في القطاع. ونص الاتفاق على تأجيل المحادثات بشأن الميناء البحري والمطار والأسرى لتبدأ بعد شهر من تاريخ سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
انتصرت غزة أولا لذاتها التي لم تقبل بالذل والمهانة ، انتصرت لأبطالها الذين حملوا أكفانهم على أكفهم وساروا بخطى حثيثة نحو الموت غير مبالين ولا مكترثين بأرواحهم وحياتهم. انتصرت غزة لأطفالها الذين تناثرت أجسادهم وتمزقت أوصالهم وسالت دماؤهم بفعل آلة الحرب الصهيونية التي لم تفرق بين كبير وصغير بين طفل وشاب ،بل كانت تقصف بهمجية وعشوائية وعبثية ، همها أن تقتل الحرث والنسل وأن تبيد العروبة الفلسطينية . غزة انتصرت لتؤكد للكل وبما لا يدع مجالا للشك أن أحفاد صلاح الدين الصادقين مع الله لم تبدل الأيام عروبتهم ولم تميع الأموال أوصالهم ، ولم تشتري الملايين ذممهم ، وليؤكدوا أنهم لا يكترثون البتة (بفزاعات) الصهاينة أو آلة حربهم ، ولا يبالون بتخاذل العروبة (الهلامية) أو نصرتها ،فهم بالله ثم بعزيمتهم التي ارتشفوها من منابر الأقصى الشريف ومن سيرة أسلافهم الذين هزوا عروش الغرب ودكوا مماليكهم ودمروا بنياتهم..
هنيئا لغزة وفلسطين هذا النصر ليس على الصهاينة فقط بل على كل من شكك في (رجولتهم) وصلابتهم وقوتهم ، ولكل من اكتفى بأن يلزم ( خدرة) كعذراء تنتظر عريسها ولم ينطق ببنت شفة أو يحرك قيد أنملة.