استغباء المواطن القروي في التنمية الاجتماعية جريمة ضد الديمقراطية
بقلم ذة : مريم زينون
في الوقت الذي لا زال فيه مثقفونا بالمغرب وعاميته يتداولون جمل وكلمات خطاب العرش الملكي ويجتهدون في تحليل مضامينه المركزة على غياب المصداقية في أوساط بعض المسؤولين من الساسة الذين يعيقون النهوض بالوطن والمواطنين، تهتز الأوساط السوسية خاصة بإقليم تارودانت والمغربية عامة، جراء الفاجعة المأساوية التي تدخل في اسطورة الإجرام السياسي بسبب العبثية في تدبير الشأن العام بالعالم القروي والذي تعتبره بعض الأحزاب مجرد نقطة عبور لتسويق سياستها وتوطين مرجعيتها جغرافيا فقط من أجل حشد الأصوات وانتزاع الحقائب الوزارية، ولأن العالم القروي هو ميدان التناقضات الثقافية والعصبية القبلية التقليدية بتفويض التمثيلية والتصويت حسب الولاء التقليدي لروابط العلاقة العرقية أو الأبوية أو القبلية فإن العمل السياسي به فارغ من الكفاءة في نظامه ومشهود له بالتقاعس في التنمية الديمقراطية الحقيقية، لكونه يعتمد على تزوير الإرادة الشعبية بالاعتماد على سلطة القرابة القبلية والعرقية وتغييب الحقوق الدستورية في دمقرطة الحياة الاجتماعية بتصريف إرادة ساكنة العالم القروي على النحو الذي يحررهم من بنية المجتمع المتعصب الدوغمائي إلى بنية المجتمع المنفتح المتحرك . قد يكون في فاجعة ” ضحايا ملعب الوادي ” أبلغ وصف للسياسة الفاسدة التي لا تواكب عقلية التغيير كما جاء في الخطاب الملكي بسبب ما اجتمع فيها من أعطاب سياسية يستحيل معها التغيير، صحيح أن وازع الإيمان بالقضاء والقدر يدفع إلى التسليم بأن ساعة ومكان الموت كنهاية حتمية في علم الغيب كما هو في الذكر الحكيم، وأن الفيضانات هي من الكوارث الطبيعية ولا يملك الإنسان التمرد على الطبيعة ولا على إرادة الخالق الذي أنزل من السماء ماء مدرارا، لكن إذا كان سائغا أن يلتمس المرء العذر لأهالي الضحايا المنكوبين في تكريسهم الإجرام السياسي بصمتهم على بناء الملعب على أرضية الوادي فلا يمكن التماسه للمسؤولين عن تدبير الشأن العام المحلي والمنتخبين والجمعويين في التواطؤ بالسماح على تنزيل مشروع هالك ومخالف لكل مواصفات الإنصاف الإنساني سوى أنه جواز مرور إلى قلوب الساكنة لتجميل صورتهم وتحسين موقعهم السياسي استعدادا للانتخابات الموالية في إطار المحاباة والمداهنة بعيدا عن اي إدراك لخطورة مرسى المشروع على سلامة مستعمليه في استغلال تام لعشقهم لتلك القطعة الجلدية التي تصنع فرحة البسطاء من أبناء الشعب إلى حد الموت لأجلها إما دوسا بالأقدام أو تحت انجرافات الفيضانات، فليس غريبا أن يتحول العشق الكروي سما قاتلا لصاحبه فهو عشق أزلي لا ينازع، وليس الموت المفاجئ بجدلية غيبية مستعصية الفهم خارج لعبة القدر لكونها مشيئة إلاهية، إنما الغريب في ضوء هذا الاستنكار المضحك المبكي السماح بتأهيل ملعب فوق أرضية تربتها جارفة ومجرى للوادي، إنه غباء سياسي جديد يضاف إلى قائمة الإخفاقات الكارثية التي سبقته مثل ضحايا منجم جرادة وضحايا دقيق الصويرة .. أخلاق أقل ما يقال عنها مافيوزية بالاستثمار السياسي في أمن وسلامة عيش المواطنين عوض الارتقاء بهم .. ولعل أهم ما يمكن أن يشغل بال المواطنين الآن هو السؤال الملح الذي كان ولازال يردده الشارع العام خصوصا بعد خطاب العرش الملكي متى سيتم ربط المحاسبة بالمسؤولية؟؟..