ذ.عادل بن الحبيب يكتب للوسيط … هل بدأت نهاية حقبة حزب العدالة و التنمية ؟
يدخل حزب العدالة و التنمية جديا في نفق الاحتضار. فلم يسبق أن تضافرت مجموعة من التحولات والظروف ضده كما في هذه اللحظة. الحزب الذي كان سابقا شديد السرور و الافتخار بنتائجه و تقلده المراتب الأولى في الانتخابات، وكان يوزع هذا السرور على مناضليه بوصفه دلالة لا تخطئ على وقوته ، وتحوله إلى منظومة لا يمكن مقارنتها سوى بالقوى العظمى. أصبح الآن يمر بأيام عصيبة، خاصة بعد هزيمة مرشحه في الانتخابات الجزئية لملئ مقعد شاغر في البرلمان بمدينة الرشيدية ، إنها خسارة مدوية أن يفقد حزب المصباح حوالي 70 في المائة من الأصوات التي نالها قبل خمس سنوات، بعد أن تموقع مرشحه عبد الله صغيري في الرتبة الثالثة بحوالي 9 آلاف صوت. هذه الانتخابات الجزئية يمكن اعتبارها تجربة مخبرية ومؤشر دلالي لمآلات الانتخابات المقبلة على المستوى الوطني، لأن من شأن قراءة وتحليل نتائج هذه الانتخابات أن يبرز سمات المشهد السياسي المقبل محليا ووطني.كما كشف اندحار ممثل المصباح في هذه الانتخابات أزمة داخلية يعيشها البيجدي، أدت الى مقاطعة قواعد الحزب لهذا الاستحقاق الانتخابي.
الحزب يعرف انشقاقات وتصدعات و خلافات حادة ، نتيجة تراكم كبير من الأخطاء التي اعترت طريقة تدبير الشأن الداخلي والتي خلقت توترات كانت نتيجتها الإعلان كل مرة عن استقالات جديدة من هياكل الحزب.
وفي هذا السياق وجهت النائبة البرلمانية والقيادية بحزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، انتقادات لاذعة الى قيادة الحزب، مشيرة الى أن بعض الأشخاص بالحزب، راقتهم مناصبهم الحكومية و التدبيرية، قائلة “عندنا جزء من الناس استحلوا المواقع لي هما فيها، ونحن لسنا حزب ملائكة”. وأكدت ماء العينين، لدى حلولها على برنامج “مع الرمضاني” على القناة الثانية دوزيم مساء الأحد 3 يناير2021 ، أن الحزب يعيش أزمة داخلية على المستوى النظري والفكري، والممارسة السياسية ، مشيرة الى أن هؤلاء الأشخاص اعتادوا على الجلوس فوق الكراسي، ويعتبرون أن الهدف هو الحفاظ على تلك المناصب.
و أعلنت اعتماد الزاهيدي، القيادية في حزب العدالة والتنمية، والبرلمانية السابقة، استقالتها من المجلس الوطني للحزب، تمهيدا لمغادرة الحزب بشكل نهائي، مبررة قرارها بأنه احتجاج على ما وصفته بـ”تقاعس هيئات الحزب في التفاعل بشكل عملي مع الأزمة السياسية والتنظيمية التي يعيشها منذ سنوات، والتي زاغت به عن أهدافه التي تأسس عليها”.
يسرى الميموني هي أيضا تستقيل من الحزب وتكتب وداعا_البيجيدي ، حيث أكدت الميموني عن وجود انشقاق وانقسام داخل الحزب إلى تيارين، أثر على أداء الحكومة الحالية، وأضافت “لم نعد نعرف هل هو حزب أفراد أم مؤسسات، حينما يصبح المناضل أسيرا لأسئلة المواطن وإجاباته أيضا، إضافة أن المشروع الذي كان ينص على الوضوح والشفافية يعانقه الآن كوكطيل من الضبابية والغموض”، وتساءلت “كيف لحزب لم يصلح بيته الداخلي أن يقوم بالإصلاح الخارجي؟ كأن بعض أفراده في حلبة ملاكمة، تسعى إلى تصفية حسابات شخصية وسياسية”.
البرلماني عن حزب العدالة والتنمية وعضو مجلسه الوطني، أبوزيد المقرئ الإدريسي، جمد عضوية من الحزب، إلى حين عقد اجتماع حضوري للمجلس الوطني . و أكد أن حزب المصباح تدهورت مواقفه وبدأ يفقد بوصلته. وشدد أبوزيد، على ضرورة أن تتم مناقشة التحولات الأخيرة الفاجعة في مواقف قيادة الحزب، والتي اعتبرها من أخطر القضايا التي تمثل صلب مرجعية الحزب وثوابته، وهويته وأدبياته، وبرامجه وخطابه للناس، وهي قضية فلسطين، وقضية اللغة العربية، وقضية استقلالية الحزب، وقضية مصداقيته أمام الناخبين. ويشار إلى أن عمدة الدار البيضاء، عبد العزيز العماري، كان قد أعلن هو الآخر استقالته من الأمانة العامة للحزب، عقب توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
وأثار توقيع رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، للاتفاقية الإطار مع إسرائيل، ضجة داخل الحزب ذي المرجعية الإسلامية، حيث وصلت حدة الانتقادات حد مطالبة العثماني بالاستقالة.
ما من شك أن هذا التوقيع ترك صدمة عنيفة داخل أوساط إسلاميي العدالة والتنمية. صدمة لا تزال ارتداداتها تكبر وتتوسع، وربما قد تصل الحد الذي ستصبح معه الخيارات التنظيمية لمواجهة الأزمة، جد محدودة. الخيارات التنظيمية المتوقعة، تبدأ من المطالبة بعقد مجلس وطني استثنائي، إلى المطالبة بالتعجيل بعقد المؤتمر، وربما، الدعوة إلى محاسبة القيادة على سوء تدبيرها لهذا الملف، وعجزها عن ابتكار خيارات للجواب عنه، لكن، الأمر لن يتوقف عند ذلك، فما من شك، أن بعض قواعد الحزب التي ارتبطت بالحزب من بوابة عقائدية ومرجعية، ستجد نفسها في حل من أمرها، فهي الآن تشعر بأن مبررات دعمها لهذا الحزب لم تعد قائمة لاسيما بعد التنازل عن اللغة العربية في التدريس، وبعد صدمة التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.خصوصا مع كمية الإحباط التي تطغى على الشارع المغربي عقب ولايتين للحزب لم يقدم ولم يؤخر سياسيا واجتماعيا، بل زادت حدة التفاقم بشكل كبير، فحزب العدالة والتنمية فشل في المراحل السابقة، إذ إنه ومنذ توليه رئاسة الحكومة في 2011 أظهر عجزا كبيرا في ترجمة شعاراته الانتخابية على أرض الواقع، كما أنه اتخذ إجراءات لم يسبقه إليها أي حزب ممن تعاقبوا على قيادة الحكومات السابقة، أدت إلى ضرب القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة عبر تحرير أسعار المحروقات ورفع الدعم عن المواد الأكثر استهلاكا، والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الاقتطاع من رواتب المضربين عن العمل تحت شعار الأجر في مقابل العمل، وحرمان أبناء الشعب من العمل بالوظيفة العمومية، والرفع من سن التقاعد ونسبة المساهمة واحتساب منحة معاش الموظف على أساس متوسط أجور السنوات الثماني الأخيرة… وهذه كلها حزمة من الإجراءات التي يتحمل الحزب مسؤوليتها والتي قد تجعله خارج دائرة الغالبية الحكومية المقبلة.
الحزب تبنى منهجا براغماتيا في التعامل مع المرجعية الإسلامية ، لهذا خسر كثيرا من رصيده الشعبي بعد موقفه من التطبيع مع إسرائيل ، هذا الموقف الذي كشف عن أزمة حقيقية يعيشها الحزب تتمثل في مدى قدرته على التوفيق بين مبادئه ومرجعيته الإسلامية وبين إكراهات السياسية ومواقفها المصلحية المربكة.، و خسر من قبل كثيرا من رصيده الشعبي على خلفية الإخفاقات الاقتصادية المتتابعة، وهو ما يضع الحزب على مفترق طرق. و في الأفق المنظور، ليس ثمة خيار لحزب العدالة والتنمية ، سوى الدخول في وقفة تأمل طويلة، تتلازم مع الخروج من الحكومة بعد انتهاء ولاية العثماني، وإعادة تحريك الورش الفكري والسياسي، لتجديد رؤية الحزب، وقيادته، وبلورة أطروحة جديدة باستثمار التراكم المهم الذي حصل عليه.