العثماني لا يطبع.. العثماني يوقع….هاهاهاها… هوهوهو… أو بحبوحة اللامسؤولية.
بقلم :عز الدين بوالنيت
(يا) مناهضي التطبيع الحقيقيين !!.. مشكلتنا اليوم ليست هي سعد الدين العثماني .. أخاطب المناهضين الحقيقيين (أقصد المبدئيين)، لأن أكثر الذين يهاجمون العثماني وحزبه ويسخرون من “ازدواجية” مواقفه، و”ذيليته” في هذه الأيام، متخذين موضوع التطبيع ذريعة لذلك، هم المطبعون والداعون الى التطبيع، والذين لدى بعضهم اغراض دنيئة فيما وراء التطبيع.
اظن ان من اهم ما ينبغي ان يركز عليه اليوم مناهضو التطبيع هو تقوية الجبهة الداخلية التي تبقى هي سندهم الوحيد. وإذا اردنا فعلا ان نحصن المكتسبات المتعلقة بقضيتنا الوطنية التي نقول اننا حصلناها بخطوة التطبيع، فلا مناص لنا من تقوية محور الديمقراطية الذي لا افق لفصله عن محور الوحدة الوطنية. والديمقراطية لا يوجد شكل آخر لتعميقها غير شكل التطبيع السياسي الداخلي مع بعضنا البعض، والانتقال من التدافع الايديولوجي المسبق الى التدافع السياسي، من حيث ان الاول يركز على المطلقات والمنطلقات، والثاني يركز على المسار المنظور المحدود بالزمن والممكن والمتعاقد عليه والمؤجل.
لا أتفق مع الاختزال، الذي يذكرنا بمواقف العثماني في تصريحاته أو بعض كتاباته، ثم يظهر صوره وهو يجالس العدو ويوقع الاتفاقيات. مثل هذا الاختزال لا ينشئ تفكيرا سياسيا، ولن يؤدي بالقطع الى بلورة مواقف سياسية عقلانية ومثمرة. هذا النوع من الاختزال يقوم فقط بدور العائق الذهني في وجه فهم التحولات التي يكشف عنها التباين بين الموقف الذهني للفاعل (أثناء الكتابة او الخطبة او التصريح) والفعل السياسي الملموس الذي يقتضيه كل موقف.
لو بحثنا في نشاط كل منا الذهني والكتابي لوجدنا أشياء كثيرة شبيهة بما توحي به صور العثماني وهو يوقع الاتفاقات، وصور تصريحاته ومنشوراته ضد التطبيع. افكارنا العامة شيء والخطوات الفعلية في حياتنا شيء آخر؛ فهي غالبا ما لا تكون متطابقة معها تماما. لا يكفينا تفسير الامر بالانحراف او انعدام المبدئية او قليب الفيستة. هذا تفسير إما كسول او مغرض. كلنا تتعرض افكارنا للتحول باستمرار، ولا يغير من هذه الحقيقة أن نزعم العكس. ولا شيء يمنع قناعاتنا ان تتعرض للتغيير، من تلقاء التفكير والمساءلة، او تحت ضغط امتحان عسير. وحدها العقول التي لا تفكر (اي لا تجدد باستمرار مساءلة بداهاتها) تظل حيث هي؛ ووحده من يجلس في بحبوحة اللامسؤولية، هو الذي لا يتعرض لأي امتحان لمدى توافق قناعاته مع متطلبات مسؤوليته.
اقتناص مناسبة التطبيع لمحاولة الإجهاز من جديد على العثماني وحزبه، أجده تصرفا سياسويا تافها يكشف فقر المخيلة السياسية لمن ينتهزه. هناك أولويات كثيرة امامنا اليوم غير أولوية الاصطياد في الماء العكر. كلامي متوجه أساسا، إلى الذين يعتبرون التطبيع فرصة لإنهاء الهيمنة المؤسسية لحزب العدالة والتنمية على المشهد السياسي الوطني. منازلة العدالة والتنمية سياسيا، مهمة داخلية لا ربح لنا ولا لحلمنا الديمقراطي في نقلها الى حلبة العلاقة مع الكيان الصهيوني.
أما مناهضو التطبيع الحقيقيون، فأفكر معهم: نحن في هذه اللحظات بالذات محتاجون الى تقوية جبهتنا الداخلية والبحث عن مجالات وصيغ عمل مشتركة بين كل القوى في البلاد، حتى تلك التي نزعم انها لا تستحق احترامنا. العدالة والتنمية مهمة اليوم اكثر من اي وقت مضى، كشريك مؤسساتي في مناخنا الديمقراطي الهش جدا. والانضمام الى معسكر المؤلبين ضدها، لن يفيد في تفعيل أسس تحصين المقاومة الثقافية والسياسية والتقليص من مخاطر الاجتياح التي يعدنا بها هذا التطبيع.
لنفكر في الامر من زاوية أخرى، على الاقل لنحرج المطبعين المهرولين الموجودين بيننا، والذين لا تحركهم الوطنية وحدها: لماذا لا نتساءل: كيف يهضم حزب العدالة والتنمية في هذه الأيام التباين بين مواقفه المبدئية والخطوات السياسية التي يقوم بها من موقع مسؤوليته الدستورية الحكومية والبرلمانية؟ اي فكر سياسي يتبلور عبر ذلك؟ أي موقع فعلي صار للانتظام المؤسساتي في التفكير السياسي والممارسة السياسية لهذا الحزب؟
شخصيا، اعتبر ما دينامية الهضم السياسي والفكري هذه، هي الجديرة بان نهتم بالوقوف عندها وتعميق النقاش حولها وتحويلها الى موضوع لتفكيرنا السياسي المشترك، عوض الوقوف عند قشور الصور وما نعتبره تناقضات او تهافتا ايديولوجيا وسياسيا.
ما يقوم به حزب العدالة والتنمية اليوم، خطوات سياسية في غاية الأهمية بالنسبة للثقافة السياسية الوطنية وثقافة الاسلام السياسي، على السواء. وهي تستحق من العقلاء، سواء المناهضين للتطبيع او المؤمنين بالواقعية السياسية، اكثر من السخرية والتشفي العابرين والعقيمين.