“غاندي المغرب” الحسن المنوزي يروي في مذكراته تاريخ العائلة في الجهاد والمقاومة
في مذكراته يحكي المقاوم الحسن المنوزي الملقب حركيا ب”غاندي”عن حياة وتاريخ عائلة المانوزي في الجهاد والمقاومة والنضال.
“حياة مليئة بالتفاصيل الدقيقة عاشها سواء كمقاوم في عهد الإستعمار أو مناضل مدافع عن الحرية والديمقراطية في عهد الإستقلال،فتعرض في سبيل ذلك لقمع شديد وسجن قاس في سنوات الرصاص”.
.عبداللطيف الكامل
أصدرالمقاوم الحسن المنوزي الملقب حركيا بإسم”غاندي”سليل عائلة المنوزي الشهيرة المناضلة والمكافحة والمجاهدة،مؤخرا مذكراته يحكي فيها وبكل التفاصيل الدقيقة ما جرى في الماضي،سواء في عهد الإستعمارالفرنسي،منذ بداية الأربعينات إلى حصول المغرب على استقلاله،أوفي عهد الإستقلال الذي تميز بتحولات عاصفية ذاقت مرارتها وبقساوة شديدة كل أفراد العائلة الحزبية والنقابية والتقدمية،بحيث لم تسلم عائلة المنوزي من تذوق مرارة العلقم القاسية في سنوات الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي.
وهكذا حاول الحسن المنوزي بما أسعفته ذاكرته القوية أن يسترجع ذكرياته في الماضي الحلوة منها والمرة وهومنخرط في البداية في درب المقاومة والكفاح ثم النضال من أجل فكرة واحدة حاولت الحركة الوطنية في عهد الإستعمار الفرنسي وبكل ما أوتيت من فكر وقوة وعزيمة أن تنضجها لتجعلها طيّعة تتحقق على أرض الواقع.
لذا حاول أن يستعيد كل شيء في هذا الماضي:الملامح والظلال واللحظات العصيبة ووجوه صناع الفكرة الوطنية في سموها ونضجها أيضا،ومن ثمة حلق بنا في هذا الماضي واعتصرمخيلته ليتذكر كل شيء ويجعل ذاكرته تنساب وتتدفق كالماء الصافي الرقراق دون توقف ودون قيود ورقابة ذاتية في تذكره الإسترجاعي.
وكان في مذكراته يسترجع كل ما بقي موشوما راسخا في الذاكرة لا يتزحزح قيد أنملة،بالرغم من تقدمه في السن،بيد أن ممانعته وصموده كان لهما الفيصل في قوة الإسترجاع والتداعي ومن ثمة ما يحكيه الحسن المنوزي”غاندي”هوحقيقة يشاركه فيها كل من ذكر لقبه الحركي أو إسمه الحقيقي هنا وفي كل المحطات التاريخية في درب الكفاح والجهاد في الإستعمار،وفي مواجهة الظالمين والمستبدين والطغاة في عهد الإستقلال،ومن ثمة تكتسي هذه المذكرات قيمتها وأهميتها في التوثيق والتأريخ وفي الإنصات أيضا إلى واحد ممن شاركوا في صنع هذه الملحمة البطولية التي عبدت الطريق للآخرين لتكون مستوية في عهدي الإستعمار والإستقلال على حد سواء.
ويبقى السؤال الوجيه هوما قيمة هذه المذكرات التي تعاد علينا وبكل تفاصيلها عن ماض سحيق وبروايات مختلفة وعلى ألسنة مقاومين ومجاهدين كثر ممن بصموا بعملهم وكفاحهم ودمائهم في صنع ملحمة وطنية كبرى،إذا لم ننصت إليها اليوم لنترسم خطى أصحابها.
وما أهميتها أن لم تنرللأجيال الصاعدة واللاحقة خطوط المسار النضالي الحقيقي،وما فائدتها إن لم تقرأ ويمعن القارئ كثيرا في تفاصيلها و شذراتها وما ظل غامضا ومسكوتا عنه بين سطورها كبياض يحفز قارءها على التقاط إشارات ذكية تغنيه عن كل التفاصيل المملة.
لعل القارئ في هذا الحكي عن الماضي سوف ينصت بإمعان لمذكرات الحسن المانوزي “غاندي”حينما تحدث في مقدمة الكتاب كيف تحول إسم عائلة المنوزي السوسية القحة والأبية من إسم إلى رمز للجهاد والكفاح في عهد الإستعمار،ورمز للنضال والمعارضة في عهد الإستقلال .
وكيف اختارت العائلة لنفسها هذه الطريق نهجا لها لامحيد عنه على منوال الشريف أمزيان وعبد الكريم الخطابي بالريف ومرورا برموزالعمل السياسي من أجل الإستقلال وانتهاء بمناضلين سجلوا أسماءهم بحروف من ذهب في سجل النضال من أجل التحرر والديمقراطية وعلى رأسهم الشهيدين المهدي بن بركة وعمر بن جلون.
إن إسم المنوزي أضحى فيما بعد يتعرض دوما للمضايقات يقول،السارد في مذكراته :”فعوض أن يكون الإسم مفخرة تجلب الإحترام والتوقير،فإن حامله غالبا ما يتعرض لمضايقات وكأن لقب المنوزي مصدر إزعاج لحامله.كان السؤال من طرف ممثلي السلطات العمومية(الإدارة العمومية والأمن الوطني والدرك الملكي وشرطة الحدود)”.
وأضاف أن الإسم أصبح “مصدر إزعاج دائم،سرعان ما تليه مضايقات ومراقبة يترتب عنها تعسف ويودي في نهاية المطاف إلى عرقلة مصالحنا لدى الإدارة العمومية أو التوقيف ريثما تتم استشارة الأجهزة المركزية للأمن في الرباط .وقد ظل الأمر كذلك بالنسبة للسلطات العمومية إلى حدود سنة 1999″.
وذكر في مقدمة الكتاب أن إسم المنوزي ارتبط في تاريخ المغرب المعاصر أولا بالفكر الوطني والإستقلال والمقاومة وجيش التحرير إبان سيطرة السلطة الإستعمارية (1934/1956)ثم ارتبط ثانيا في عهد استقلال المغرب بالنضال من أجل مؤسسات ديمقراطية والكفاح ضد مختلف أشكال الإقصاء السياسي و الإجتماعي وتعسف أجهزة الدولة.
وعن أسرة المنوزي وأفرادها الأبطال،تحدث السارد بإسهاب عن هذه العائلة السوسية العريقة،وقدم صورة مقتضبة عن كل أفراد العائلة المكونة من أخيه سعيد المنوزي (1917/1985)المؤسس لعدة فروع لحزب الإستقلال في الدارالبيضاء ومنطقة سوس في سنوات الأربعين،وكان من مؤسسي التنظيمات السرية المسلحة ضد السلطات الفرنسية في الخمسينات،ومن القياد الوطنيين الذين تمت تنحيتهم بسبب رفض لأساليب تزويرالإنتخابات في سنة 1963.
وكان أخوه إبراهيم(1930/1971)من مؤسسي جيش التحرير وقادته في الريف والأطلس المتوسط والكبير والجنوب والتحق بالجيش الملكي في سنة 1958،حيث قضى خدمته كضابط مهمش حيث احترست منه المؤسسة العسكرية إلى أن اقتنصت فرصة إعدامه دون محاكمة ودون إثبات مشاركته في انقلاب الصخيرات في يوليوز 1971.
وتحدث عن أخيه الحاج علي المنوزي(1910/2014)والذي شارك إلى جانب أخيه سعيد في تأسيس خلال حزب الإستقلال بالدارالبيضاء وساهم في تطويرشبكات المقاومة السرية هناك.كما كان من مؤسسي الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في سنة 1959، والتي قادت الحسن المنوزي(غاندي) بمعية إخوته عبدالله وقاسم والطيب إلى جانب سبعين فردا من عائلتهم القريبة والبعيدة إلى الإعتقال،ويقول السارد :”أفضت هذه المضايقات في نهاية المطاف إلى عقوبة الإعدام لأبن أخي الحسن المنوزي وعقوبة السجن لمدة عشرسنوات لأبن عمي الحسين المنوزي واخي الطيب ثم عقوبة السجن لمدة سنتين لأخي عبدالله”.
وكان أخي الحاج علي أيضا،يضيف السارد،من المتهمين في مارس 1973 وشارك بعد إطلاق سراحه في تأسيس الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في الدار البيضاء ثم هنام ابن أخي الحسين المنوزي المختطف سنة 1972 من تونس،والذي لايزال مجهول المصير،ولاتزال قضية اختطافه عالقة إلى آخر القائمة.
وأضاف أن والده محمد بن بلقاسم في 1933/1934 في الحركة التي نظمتها القبائل السوسية في الأطلس الصغير ضد الإحتلال الفرنسي وعند هجرتنا إلى الدار البيضاء مباشرة بعد التهدئة انخرطنا في العمل الوطني وقوينا صفوف حزب الإستقلال وخلاياه في الأوساط الشعبية بالدار البيضاء وفي منطقة سوس.
واسترسل الحسن المنوزي(غندي)في سرده وتحدث بتفصيل عن تجربة المقاومة المغربية في عهد الإستعمار وما ارتبط بها من شبكات سياسية واجتماعية مختلفة فيما بعد،وتحدث عن تجربته السياسية في عهد الإستقلال عندما ارتبط سياسيا بالإتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الإتحاد الإشترتكي للقوات كاستمرار لحركة التحرير الشعبية منذ تأسيس الحركة الوطنية إلى اليوم.
وتكلم عن تجربة المقاومة والنضال في مواجهة قوة المخزن المشكلة في الدولة التي كانت مخزنية سماتها القمع والتسلط وما ارتبط بها أيضا من أبواق دعائية رسمية وأشباه المثقفين الذين بلوروا الفكر المخزني وعمقوه بتطوير نظريات حول تميز المغرب في العالم العربي وإفريقيا وأوهموا الناس بوجود حريات وهوامش ديمقراطية مهمة وذلك بكل التبريرات الأيديولوجية والبراهين شبه العلمية.
واختتم مقدمة الكتاب بحديثه عن ضريبة المقاومة والنضال القاسية التي تكبدتها العائلة وأفرادها كان من أبرزها إعدام الكومندار إبراهيم المنوزي سنة 1971 واختطاف الحسين المنوزي1972.
وعن خلفيات كتابة هذه المذكرات قال الحسن المنوزي(غاندي):”حاولت جاهدا ولمدة سنوات عديدة أن أوفي عائلتي حقها رغم أن عائلتنا السياسية(الحزبية والنقابية والتقدمية ) لم تبخل في الحديث عن العائلة والإفتخار بإسهامها في النضال الوطني والديمقراطي والنقابي لمدة سنوات،منذ نشر مذكراتي بجريدة الإتحاد الإشتراكي،وأنا أحاول جاهدا تطويرها من مجرد ذكريات شخصي المتواضع ذي المشاركة المتواضعة جدا،مقارنة ببقية أفراد العائلة الآخرين في النضال الوطني والديمقراطي”.
وقال:”يمكن أن أقول إني بهذا المجهود المتواضع جدا،قد وضعت بين يدي القارئ ما يمكن أن أسميه”تأريخا ذاتيا”للعائلة أي تاريخا مكتوبا من طرف العائلة بذاتها وليس فقط من طرفي،فقد حظيت بمساعدة قيمة من طرف جميع أفراد العائلة.وبإمكاني أن أقول:إني مرتاح البال،إذ أديت واجبي النضالي تجاه عائلتي التي أدت بدورها واجبها النضالي ولازالت تؤديه تجاه عائلتها الكبيرة:الشعب المغربي”.
مضيفا:”لن أزيد عن هذه الكلمات المختصرة جدا،والتي تختزل قرنا من حياة عائلة وشعب بأجيال متعددة،لن أزيد عنها شيئا إلا اتفاقي معها،كوني فردا عاش ما ترويه الكاتبة والمناضلة الهولندية سيستك دوبور عن عائلة المنوزي في كتابها المعنون ب”سنوات الرصاص:أيام من حياة عائلة مغربية(1913/1999)”.
وعن حياة الحسن المنوزي(غاندي)نقدم للقارئ نبذة مختصرة عنه،فهو من مواليد يوم 11 يناير1933 بأيت الحسن أوعلي بتافراوت متزوج له سبعة أبناء،درس خلال حلوله بالدار البيضاء في الكتاب القرآني بالمدينة القديمة،وبالمدرسة الصناعية”الضيعة البيضاء”من سنة 1944 إلى 1952،حيث حصل على دبلوم الميكانيك الصناعية.
وبموازاة الدراسة مارس التجارة مع إخوانه علي وسعيد وأحمد وعبدالله وإبراهيم وقاسم والطيب من 1944إلى 1952،وناضل في الحركة الوطنية،واعتقل أول مرة سنة 1949،من طرف الشرطة الفرنسية.شارك في تأسيس خلايا المقاومة وفي ماي 1955 اعتقل مع إخوانه كلهم ووالده لما كان بوليس الإحتلال يبحث عن سعيد المنوزي المتابع بعلاقته بالشهيد الزرقطوني.
وفي 1955 انخرط في جيش التحرير ولا حقا في حزب الإستقلال،بعد الإستقلال التحق بمسقط رأسه في تافروات مساهما في تأسيس الكشفية الحسنية وفروح حزب الإستقلال، انتخبته قبيلته شيخا في سنة 1956.
وفي سنة 1959 ساهم في تأسيس فرع الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بتافراوات.وكان رئيس اللجنة الإدارية للإنتخابات بجماعة أيت وافقا من سنة 1961 إلى سنة 1963 وهي السنة التي عزل فيها على صعيد المغرب كل الوطنيين والإتحاديين من المناصب الإدارية (قياد، باشوات، شيوخ).
التحق سنة 1963بإدارة البريد حيث عمل موظفا حتى عام 1991،وانخرط سنة 1965 في نقابة البريد التابعة آنذاك للإتحاد المغربي للشغل ولاحقا بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى حين تقاعده.
اعتقل سنة 1970 ضمن الحملة ضد الإتحاديين المفضية إلى محاكمة مراكش الكبرى،وفي سنة 1975 انخرط في الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وأصبح بإسمه عضوا بالمجلس البلدي لمدينة أكادير من سنة 1976 إلى 1983.
تحمل الحسن المنوزي(غاندي)مسؤولية رئيس لجنة نقابات الجماعات لأكادير الكبير،وكان من مؤسسي الوكالة المستقلة متعددة الخدمات ونائب رئيس المجلس الإداري للجمعية الخيرية الإسلامية.
وفي سنة 1977،ترشح بإسم الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في دائرة تافراوت.ومن سنة 1988 إلى 1990 أصبح عضو فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان،وحاليا عضو بجمعية المتقاعدين وبالمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف.
هذا وتجدرالإشارة إلى أن مذكرات المقاوم والمناضل الحسن المنوزي الملقب ب”غاندي”جمعت في كتاب يحتوي على 298 صفحة مبوبة على الشكل التالي:عشرة فصول وتمهيد ومقدمة وملاحق وأرشيف وفهرس،وتتكون فصول المذكرات مما يلي:
الفصل الأول:أمانوز:تاريخ وثقافة وكفاح
الفصل الثاني:بداية التغلغل الفرنسي
الفصل الثالث:نهاية عالم قديم وبداية عالم جديد 1944/1934
الفصل الرابع:هجرة المانوزيين إلى المدينة
الفصل الخامس:من نشوء الوعي الوطني إلى المطالبة بالإستقلال
الفصل السادس:نظام الحماية:بداية النهايات المتعددة
الفصل السابع :نظام الحماية بداية النهايات المتعددة
الفصل الثامن :المقاومة المسلحة 1953/1956
الفصل التاسع:دولة الإستقلال والصراع حول السلطة
الفصل العاشر:عائلة المنوزي:رموز النضال الوطني ومن أجل النضال الديمقراطي.