حالة التنافي في قانون الوظيفة العمومية ….بقلم زايد الرفاعي …هل الجمع بين مهنتي التعليم والصحافة قفز على القانون؟
إنتشرت داخل الجسد التعليمي ظاهرة خطيرة، لا تقل خطورة عن الظواهر التي تكسر النسق الأخلاقي والمهني للأدبيات التي تنظم وتؤطر التدبير الجيد والحكيم لمهنة طالما اتسمت بكونها رسالة نبيلة قبل أن تكون وظيفة عمومية، مما يجعلها تتطلب الوقت والطاقة الكافيتين حتى يتأتى لها أداء الدور المنوط بها، لكن؛ مؤسساتنا أصبحت تشهد بعض رجالات التعليم، إلى جانب وظيفتهم الأصلية، يمارسون دور مراسلين صحافيين لحساب جرائد ومنابر معينة، الأمر الذي يعرضهم للعديد من المشاكل الذاتية والموضوعية.
ورغبة في تسييج الظاهرة وتقنينها، كان لابد من طرح سؤال: هل الجمع بين وظيفتين أو أكثر يجوز قانونيا، وتحديدا هل الجمع بين مهنة التدريس والعمل كمراسل صحفي مشروع دستوريا، أم أن الظاهرة لاتعدو سوى تربح وإستلاء غير مباشر على المال العام من جهة، وتكريس لعامل البطالة من جهة ثانية؟
وعليه؛ كان لامناص قبل رصد الأجوبة الشافية، الإشارة إلى خطوة شجاعة ومسؤولة قامت بها المديرية الإقليمية لأزيلال من أجل لملمة هاته الفوضى المهنية، ذلك، بإصدارها استفسارا رسميا لمجموعة من المدرسين الذي يقومون بتغطيات، ويكتبون مقالات كمراسلين صحفيين لحساب مواقع إلكترونية، منذرة إياهم على ممارستهم لمهنة منظمة دون ترخيص، الأمر الذي من شأنه أن يعرضهم للمساءلة القانونية في حالة تأخرهم أو إمتناعهم عن تقديم تفسيرات حول المنسوب إليهم، في حين باقي مديريات المملكة نهجت سياسة ذر الرماد على العيون، وعدم الإكتراث لتفشي الظاهرة، وتركها تنخر الجسد التعليمي دونما مبالاة بالإنعكاس السلبي الذي تبثت نتائجه بشكل ملموس.
إن تفشي مثل هذه الممارسات في وسط الإدارة، ليس فحسب مظهرا من مظاهر الإباحية التي تطال بعض جوانب التدبير العمومي، بل أن مشكل الجمع بين التدريس والعمل كمراسل صحفي أضحى من العوامل التي تؤثر بكيفية مباشرة على مردودية منظومة التربية والتعليم، وبالتالي تحول دون خدمة النسق التدريسي، والإنكباب على معالجة قضايا التعليم بما يلزم من الجدية والإنضباط والتفرع الكامل للمهام.
ولاسيما أن هؤلاء “الأساتذة المراسلين” لايتوفرون على تكوين إعلامي ولا على شهادة صحفية.
لذا، سعيا إلى رد الإعتبار للواجبات المهنية، وإعادة لها حرمتها ومكانتها التي تمثل عاملا رئيسا في ترسيخ الأخلاقيات والاستنهاض بالمؤسسة الإدارية وفقا لمضامين حسن التدبير، كان لامناص من تدخل المقاربة القانونية، للكشف عن رأي التشريع طبقا للفصل 15 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
ودونما خوض في التفاصيل القانونية، الشارع يقول بوضوح: لا يجوز لأي حال من الأحوال للموظف أن يجمع بين وظيفته وعمل آخر، سواء كان عمله هذا في القطاع العام أو القطاع الخاص، والغاية من ذلك هي أن الموظف ملزم بتكريس وقته لعمله، ولأن المهام الأصلي قد يتضرر من مزاولة نشاط آخر، مع العلم خشية فقدان الموظف (المدرس) حريته.
وهذا ما أكد عليه الفصل 15 من قانون الوظيفة العمومية الجديد حيث منع الموظف من مزاولة أي نشاط مهني حر أو تابع للقطاع الخاص يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته، غير أنه أجاز بعض الإستثناءات، طبقا لهذا الفصل، هي كالتالي:
– إنجاز الأعمال العلمية والأدبية والفنية شريطة ألا يطغى عليها الطابع التجاري، ولا يجوز للموظف المعني أن يذكر صفته الإدارية بمناسبة نشر أو عرض هاته الاعمال إلا بموافقة رئيس الإدارة أو المديرية التابع لها.
– إجراء الخبرات والإستشارات أو القيام بدراسات، أو بالتدريس شريطة أن تمارس هذه الاعمال بصفة عرضية ولمدة محددة، ولا يجوز له الاستفادة من هذين الاستثنائين إلا بعد تقديم تصريح بذلك لرئيس إدارته، هذا الأخير، يمكنه الإعتراض متى تبين له أن الأنشطة التي يزاولها الموظف تتم أثناء الفترة القانونية لعمله الأصلي، أو تخضعه إلى تبعية قانونية، أو تجعله في وضعية متنافية مع هذا التوظيف.
وكل مخالفة لهذا المنع يعتبر إخلالا خطيرا بالواجبات المهنية، يترتب عنها تطبيق المسطرة المنصوص عليها في الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والتي تقضي بالتوقيف الفوري للموظف الذي تبثت المخالفة في حقه، ولعرض ملفه على المجلس التأديبي.
وهكذا يمكن أن نسجل تفعيل النصوص المانعة للجمع بين الوظائف، والجمع بين مهنتي مدرس ومراسل صحافي إشارة إلى ما جاء في مضمون إستفسار مديرية إقليم أزيلال، خصوصا وأن المغرب يسعى اليوم إلى مكافحة البطالة التي أصبحت تنخر جسد المجتمع.
في الختام؛ وتفاعلا مع فلسفة القانون، نذكر أن البيت المأثور مفاده: “كاد المدرس أن يكون رسولا، وليس كاد المدرس أن يكون مراسلا”.