عبد الرحمان اليوسفي مفخرة سياسية وقدوة حزبية في تاريخ الانتقال الديمقراطي بالمغرب
بقلم :ذة مريم زينون
بقدر ما تشهد الساحة السياسية ضمورا لافتا بين أوساط المواطنين بسبب الاستبداد السياسي لبعض النخب الفاسدة وحرمان قاعدة عريضة من فئات الشعب من العدالة الاجتماعية واستمرارية معاناة البعض منهم من التهميش المجالي بسبب التبعثر الذي يصيب الممارسة السياسية ،بقدر ما تزال هذه الساحة تعترف كلما تعلق الأمر بمقاربة سوسيوسياسية بشرعية التوازن الديمقراطي والحكامة السياسية التي تحققت مع تجربة التناوب التي قادها الراحل عبد الرحمان اليوسفي، وإن كانت فشلت في تحقيق الانتقال من التناوب التوافقي إلى التناوب الديمقراطي، حيث بقي اختزال مفهوم الديمقراطية الحديثة مقترنا بتجربة التناوب داخل تاريخ الإصلاح الانتقالي بين عهدين ( المغفور له الحسن الثاني والملك محمد السادس ) من 1996 إلى 2002 لأن توصيفة الفكر الاتحادي التي اعتمدها أبرز قادة الكتلة الديمقراطية في تلك الفترة – الذي هو اليوسفي – جعلت اسمه يقترن بالإنجازات الإصلاحية التي حققتها الحكومة التي قادها في المجالين الاجتماعي والاقتصادي حيث تميزت في سابقة هي الأولى من نوعها بتشكيل لجن تحقيق برلمانية للكشف عن الفضائح والاختلاسات التي طالت مؤسسات الدولة والمؤسسات البنكية ،كما عرفت حكومته بتقليص المعدل الوطني للبطالة من 5،14% إلى 5،10% سنة 2002 مع تقليص نسبة المديونية الخارجية من 2،19 مليار دولار إلى 1،14 مليار دولار سنة 2002 ناهيك عن ارتفاع الميزانية العامة للدولة المخصصة للقطاعات الاجتماعية من 41%إلى 48% إلى جانب تغييرات اجتماعية ترتكز بالدرجة الأولى على احترام إرادة المواطنين بإحداث انقلاب في سلوك القوى الديمقراطية ،خصوصا بالقرارات السياسية المتفردة والتي كان القيادي الراحل يرسل من خلالها إشارات سياسية بأن التناوب يقصد منه التجديد في المنهجية الديمقراطية وفتح آمال جديدة أمام المواطنين بضمان احترام مصداقية الانتخابات . بهذا الفكر القيادي الذي كان يسمو إلى الدفاع عن الشرعية الشعبية كان من الطبيعي جدا أن تسود على مستوى التجسيد السياسي والحقوقي لمفهوم الديمقراطية دلالة حزبية بمفهوم الاشتراكية تحمل المعنى الأسمى للمساواة الطبقية وفي نفس الوقت تضمن العيش في سلام دائم ،لتنعكس هذه الدلالة في مجملها على صورة السياسي الحقيقي كما تتوق لها شعوب الإنسانية مقترنة بصورة رجل المواقف الوطنية وإضفاء القدسية على توابث سياسية حولها ،أيضا بفعل قراراته المتميزة والصادمة التي تحولت إلى منجزات في تاريخ المشهد السياسي بالمغرب . إن توصيفة الفكر السياسي التي تميز بها القيادي الراحل عبد الرحمان اليوسفي ميزته جوهريا عما سواه من القياديين الاتحاديين على الخصوص اعتبارا لواقع السياسة بالمغرب قبل ثورة الربيع العربي وبعده والمتحكمة أساسا في تشكيل الهوية السياسية المغربية بمختلف تجلياتها والتي لم تزد إلا في مضاعفة ترسيخ الصورة المثالية لرجل الحداثة الفكرية الغير عابئ بإغراءات المواقع أو امتيازات المناصب ،لقد استطاع أن يكون بفعل تشبته بقيم النزاهة ونكران الذات أن يصبح الرجل الأول في البيت الاتحادي الحامل لقيم الحداثة والمتحكم في قواعد اللعبة السياسية والذي نجح في تجاوز جدلية الانفتاح والانغلاق بتوحيد اليمين مع اليسار رغم مواجهته لجيوب المقاومة داخل حكومة التناوب . تماما كما كان منطقيا حين قدم استقالته احتجاجا على عدم ملائمة شروط التفاوض الحكومي لمنهجية الإصلاح الديمقراطي منتصرا للمطالبة بالمساواة الحقة وسيادة الحق والقانون ..
– لقد كنت تجربة سياسية صادقة ورجلا مستعليا عن المفاسد فلترقد روحك بسلام –